الفساد وصلاحية الدولة
![د. بدر الديحاني](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1472378832591788600/1472378876000/1280x960.jpg)
علاوة على ذلك، فإن كثرة لجان التحقيق البرلمانية والإحالات المتكررة للنيابة العامة ولديوان المحاسبة يدل دلالة قاطعة على استشراء حالات الفساد الإداري والمالي مما يعتبر مؤشرا سلبيا على كفاءة أجهزة الإدارة العامة من حيث عدم التزامها بالقوانين واللوائح والنظم الرسمية والاستعاضة عنها بقوانين ونظم خاصة بكل جهاز إداري تسمح بتقنين حالات الفساد وتصبح مع الزمن هي «القوانين» الفاعلة. لذا ينتشر بين الناس القول إنه لابد لك من أن تدفع رشوة مالية إذا أردت أن تنجز معاملة لك في هذا الجهاز، أو أنه يجب عليك أن تبحث عن واسطة ذات مستوى معين لتخليص معاملتك في ذاك الجهاز الإداري الحكومي.ومن المعروف أنه كلما كثرت حالات الفساد في أجهزة الإدارة العامة زاد ذلك من فساد الدولة ككل وسرَّع في إمكان تفككها، لأنها تصبح «حارة كل من أيده اله» فلا سيادة للقانون ولا تكافؤ للفرص ولا عدالة اجتماعية مما يؤدي إلى انعدام ثقة الناس فيها وخلق أشكال موازية تكون بديلة لأجهزة الدولة وأكثر منها فعالية. وقد حصل هذا في الاتحاد السوفييتي سابقا ودول أوروبا الشرقية وساهم في سرعة انهيارها، كما حصل ذلك ويحصل الآن في بعض دول العالم الثالث حيث يغيب هناك الوجود العملي لأجهزة الدولة الرسمية.لذا، فإنه يجب ألا نفرح كثيرا بتحويل القضايا المتعلقة بأجهزة الإدارة العامة إلى جهازي النيابة العامة وديوان المحاسبة أو للجان التحقيق البرلمانية، بل على العكس، فإن الأمر يتطلب منا جميعا وقفة جادة وتحليلاً علمياً عميقاً لأسباب كثرة القضايا الإدارية والمالية والفنية التي تُحال إلى لجان وأجهزة التحقيق، لأنها مؤشرات خطيرة ومهمة على مرض وفساد أجهزة الدولة، وإن تُركت هكذا من دون إصلاح سياسي سريع يسبق كل ما عداه، فإن الفساد والمرض سيعمان أجهزة الدولة كافة مما يهدد بتآكل سريع لمقومات وأسس الدولة الحديثة.