الفساد وصلاحية الدولة

نشر في 22-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 22-09-2008 | 00:00
 د. بدر الديحاني يلاحظ المتابع للشأن العام أن هنالك كما هائلا من القضايا الإدارية والمالية في أجهزة الدولة المختلفة تحال إلى النيابة العامة للتحقيق فيها أو إلى ديوان المحاسبة لتدقيقها. كما أن المتابع يلاحظ أيضا كثرة لجان التحقيق البرلمانية. ورغم أن القضايا المحالة للتحقيق الإداري والمالي والقانوني هي قضايا إدارية ومالية من المفروض أن الإجراءات المطلوبة لإنجازها واضحة، فإن فساد بعض أجهزة الدولة جعل هذه الإجراءات البسيطة والواضحة معقدة وجعل القوانين السارية لا قيمة لها وخلق قوانين خاصة بهذه الأجهزة الإدارية.

ومع التقدير للجهود الكبيرة التي يقوم بها العاملون كافة في النيابة العامة وديوان المحاسبة ولجان التحقيق البرلمانية رغم الضغوطات النفسية الهائلة التي تمارس عليهم من الجهات جميعها، فإن كثرة تحويل القضايا الإدارية والمالية المتعلقة بالمشاريع العامة وبأجهزة الدولة المختلفة إلى النيابة العامة وديوان المحاسبة ولجان التحقيق البرلمانية سيشغل هذه الأجهزة ويزيد بالتالي من الأعباء الإدارية والفنية الملقاة عليها مما قد يؤثر على جودة أدائها نتيجة لضغط الوقت وتراكم القضايا المطلوب سرعة إنجازها.

علاوة على ذلك، فإن كثرة لجان التحقيق البرلمانية والإحالات المتكررة للنيابة العامة ولديوان المحاسبة يدل دلالة قاطعة على استشراء حالات الفساد الإداري والمالي مما يعتبر مؤشرا سلبيا على كفاءة أجهزة الإدارة العامة من حيث عدم التزامها بالقوانين واللوائح والنظم الرسمية والاستعاضة عنها بقوانين ونظم خاصة بكل جهاز إداري تسمح بتقنين حالات الفساد وتصبح مع الزمن هي «القوانين» الفاعلة. لذا ينتشر بين الناس القول إنه لابد لك من أن تدفع رشوة مالية إذا أردت أن تنجز معاملة لك في هذا الجهاز، أو أنه يجب عليك أن تبحث عن واسطة ذات مستوى معين لتخليص معاملتك في ذاك الجهاز الإداري الحكومي.

ومن المعروف أنه كلما كثرت حالات الفساد في أجهزة الإدارة العامة زاد ذلك من فساد الدولة ككل وسرَّع في إمكان تفككها، لأنها تصبح «حارة كل من أيده اله» فلا سيادة للقانون ولا تكافؤ للفرص ولا عدالة اجتماعية مما يؤدي إلى انعدام ثقة الناس فيها وخلق أشكال موازية تكون بديلة لأجهزة الدولة وأكثر منها فعالية. وقد حصل هذا في الاتحاد السوفييتي سابقا ودول أوروبا الشرقية وساهم في سرعة انهيارها، كما حصل ذلك ويحصل الآن في بعض دول العالم الثالث حيث يغيب هناك الوجود العملي لأجهزة الدولة الرسمية.

لذا، فإنه يجب ألا نفرح كثيرا بتحويل القضايا المتعلقة بأجهزة الإدارة العامة إلى جهازي النيابة العامة وديوان المحاسبة أو للجان التحقيق البرلمانية، بل على العكس، فإن الأمر يتطلب منا جميعا وقفة جادة وتحليلاً علمياً عميقاً لأسباب كثرة القضايا الإدارية والمالية والفنية التي تُحال إلى لجان وأجهزة التحقيق، لأنها مؤشرات خطيرة ومهمة على مرض وفساد أجهزة الدولة، وإن تُركت هكذا من دون إصلاح سياسي سريع يسبق كل ما عداه، فإن الفساد والمرض سيعمان أجهزة الدولة كافة مما يهدد بتآكل سريع لمقومات وأسس الدولة الحديثة.

back to top