فخ المقايضة وقروض الأطفال الرضع!
فجأة بدأت الاقتراحات تتوالى متباكية على المواطنين المدينين للبنوك وشركات التمويل الأخرى من قبل مَن كانوا في السابق من الرافضين لمعالجة مشكلة المقترضين غير القادرين علي السداد، بل إن بعض مقدمي هذه الاقتراحات قد سبق ورفضوا حتى فكرة إنشاء صندوق المعسرين ناهيك عن زيادة رأسماله، فماذا حصل؟ أو ماذا تغير؟ لابد أن في الأمر أمراً قد تفسره معرفتنا بالمحاولات الجارية على قدم وساق لمقايضة الديون المستحقة على المواطنين بقروض البنوك والشركات الاستثمارية والتجارية.وفي هذا الجو غير الطبيعي الذي تتسابق فيه الحكومة والبرلمان على التفنن في استنزاف المال العام، فإننا نجد أن هناك مجموعتين من النواب تتسابق كل منهما على هدر المال العام لمصلحته الخاصة. فالمجموعة الأولى تحاول لمصلحة ذاتية تسويق مشروع القانون الحكومي الذي سُمي «قانون الاستقرار المالي» الذي يستهدف «إنقاذ» البنوك والشركات الاستثمارية، المستفيدة في الأحوال كافة، والذي من الواضح أنه سيترتب عليه، إن أُقر بصورته الحالية، هدر رهيب للمال العام ناهيك عن الشبهات الدستورية التي تعتريه.
وفي سبيل تسويق مشروع قانون «الإنقاذ» من دون إجراء تعديلات جذرية عليه، فإن هؤلاء النواب «يبدون» حرصهم على حل مشكلة المقترضين المعسرين أيضاً، فنراهم يقترحون أن تقوم الدولة بمعالجتها عن طريق منح قروض إجبارية للأسرة كلها بما فيها الأطفال الرضع ليصبح الشعب الكويتي كله مكبلا بالقروض. فأي منطق هذا؟ وبأي عصر نحن نعيش؟ فهل من المنطق أن تصبح العائلة كلها مقترضة من رب الأسرة إلى الأطفال الرضع! وكيف سيسدد الرضيع أو القاصر قروضه؟ ثم أليس من الظلم أن يشب الرضيع فيجد نفسه مطالبا بتسديد قرض للدولة؟أما المجموعة الثانية من النواب، فإن الحديث المتواتر عن قرب حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات خلال المدة الدستورية، يرعبها ويفقدها توازنها النفسي. لذا نجدهم يحاولون إظهار أنفسهم أنهم مدافعون عن المواطن البسيط ويهدفون إلى تخفيف أعباء المعيشة عن كاهله، وهم في حقيقة الأمر بعملهم هذا يقفون ضد المواطن البسيط لأنهم يستنزفون ثروته الوطنية من أجل مصالحهم الانتخابية. علاوة على ذلك، فإنهم يقعون في فخ المقايضة الذي نصبته لهم المجموعة الأولى المدافعة عن مصالح البنوك المتعثرة والشركات الاستثمارية المفلسة أو تلك التي لا تريد أن تنخفض معدلات الأرباح التي كانت تجنيها على مر السنين، حيث تطالب هذه المجموعة بفتح خزائن الدولة من دون ضوابط دقيقة ومحددة مع غياب شبه تام للشفافية ونقص حاد في المعلومات والبيانات عن الوضع المالي الحقيقي للبنوك والشركات التي تحتاج إلى «الإنقاذ». وهم يقعون في فخ المقايضة لأن ما سيُهدر من المال العام لــ «إنقاذ» المؤسسات الخاصة سيكون أضعافاً مضاعفة لما سيُمنح للمواطنين حتى لو كان ذلك، كما يسميه البعض، قرضاً حسناً.إن ما يحتاج إليه المواطن، يا نواب الأمة، هو معالجة موضوعية هادئة للأزمة المالية التي تواجه القطاع المصرفي والمالي تسهم في الحفاظ على المال العام من ناحية، وإيجاد حل سريع وعادل لمشكلة المواطنين العاجزين فعلياً عن سداد ديونهم، من ناحية أخرى. وهما مشكلتان منفصلتان، وليس من العدالة أن تتم المقايضة بينهما. كما أن المواطن يحتاج أيضاً إلى تطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات العامة كالتعليم والصحة، كماً ونوعاً، لأن سوء هذه الخدمات ورداءتها تُحمِّل المواطن الكثير من التكاليف المالية، فالمواطن يصرف جزءاً كبيراً من دخله الشهري أو يضطر إلى الاقتراض لتوفير تعليم مناسب لأولاده سواء في المدارس الخاصة أو حتى في المدارس الحكومية ودروسها الخصوصية.وكذلك الحال بالنسبة للخدمات الصحية، فالكثير من المواطنين يضطر بسبب رداءة الخدمات الصحية وعدم ثقته بمستواها إلى التوجه إلى المستشفيات والعيادات الخاصة التي تكاثرت أعدادها كالفطر في الآونة الأخيرة، بغض النظر عن جودتها، ووجدت لها سوقاً رائجاً.لهذا، فإن المواطن في غنى عن الاقتراحات المصلحية والانتخابية التي تستنزف المال العام وترتب عليه المزيد من الأعباء المعيشية، وتُحمِّله هو وأفراد أسرته كافة المزيد من القروض سواء الحسن منها أو غير الحسن.