جيد أن يهتم الإعلام ويتابع قضايا تزويج الصغيرات من الرجال المسنين، خصوصا في ظل غياب منظمات مدنية مختصة للدفاع عن الأطفال المنتهكة طفولتهم. القضايا التي تابعناها أخيرا، في اليمن والسعودية بشكل خاص، لا يمكن المرور عليها بلا مبالاة. في معظم تلك القضايا كانت الطفلة أقرب إلى أنها بيعت من كونها زوجت. ليس فرق السن الهائل هو وحده المثير للتقزز، بل وكذلك أعمار الصغيرات، اللواتي لم تتجاوز إحداهن الثامنة من عمرها. هذا ما يجعل عملية الزواج مجرد شرعنة للاغتصاب والانتهاك الجنسي للأطفال.

Ad

حتى بين القراء الذين نادرا ما يتفقون في وجهة نظر على قضية، كان هنا إجماع يمكن ملاحظته من خلال عشرات التعليقات في المواقع الإلكترونية المختلفة، على رفض تلك الممارسات وتوصيفها في كثير من الأحيان، بالاغتصاب «بالحلال».

في آخر قضية تناولها الإعلام، تقدمت الأم بدعوى قضائية لفسخ عقد نكاح طفلتها ابنة الثمانية أعوام، على رجل خمسيني وله زوجتان، بعد أن قام الوالد بتزويج الصغيرة مقابل سداد ديونه للزوج المنتظر.

ما يثير الانتباه في مثل هذه القضايا أمران. أولهما، القائمون على عقد القران في مثل هذه الحالات، فإما أنهم يتمتعون بصلاحيات مطلقة فوق القانون والشرع تخولهم ارتكاب مثل هذه الجريمة، أو أن هناك فسادا تدفع ثمنه الصغيرات.

والأمر الآخر، أن الإعلام المتعاطف بشدة في معظمه مع ضحايا مثل هذه القضايا، يبدو إلى حد ما انه يعكس موقفا رسميا قليل الحيلة. غير راض عن هذه الممارسات، لكنه عاجز عن اتخاذ موقف صارم منها ضمن أطر قانونية عقابية محددة.

فهل يكفي فسخ عقد القران لحل المشكلة؟ أو تأجيل الزواج الذي تم بغير رضاء الزوجة وبموجب صفقة بين ولي الأمر والزوج، لسنوات عدة؟ أو لا يتحمل عاقد القران أي مسؤولية قانونية؟ وماذا عن الأب الذي أقدم على بيع طفلته والمقامرة بها، كتحد مع العريس كما في إحدى القضايا، أو كسداد لديونه كما في القضية الأخيرة؟ وكم قضية من هذا القبيل لم نعلم عنها ولم يجد الإعلام طريقه إليها؟ وهل يتم الانتظار دائما حتى وقوع الجريمة للمبادرة إلى معالجة آثارها؟

بطبيعة الحال، العادات الاجتماعية خصوصا في أوساط قبلية وعشائرية، لا يمكن تغييرها بين يوم وليلة بنص قانوني وإجراءات عقابية. لكن يبقى للنص القانوني الواضح والمحدد والذي يوزع المسؤولية بعدالة على أطراف الجريمة، دور كبير في الحد من تلك العادات والممارسات، كما في قضايا جرائم الشرف والختان على سبيل المثال.

قضية تزويج الصغيرات تبدو أسهل في هذا الإطار. فهناك رفض اجتماعي واسع لها، ورفض إعلامي يعكس إلى حد ما موقفا رسميا. وبالتالي يغدو لدور القانون مكانا فسيحا يمكن التعويل عليه.

من المهم أن نذكر أيضا أن بيع الفتاة الصغيرة إلى المسن الثري القادم من إحدى دول الخليج عادة أمر يحصل أيضا في غير دولة عربية، مثل سورية ومصر. والفارق في هذه الحالات هو عمر الفتاة الذي يكون عادة ما بين أربعة عشر إلى سبعة عشر عاما، بينما الزوج في عقده السادس أو السابع! وحتى في هذه الأحوال يبقى للقاضي سلطة رفض تثبيت الزواج الذي غالبا ما يكون قد تم عرفيا. لكن يختلف الأمر في ما إذا حصل الحمل، وقتها لا تملك المحكمة غير تثبيت النسب بعد تثبيت الزواج.

من بين الصور التي لا تغيب عن ذاكرتي، فتاة بعمر الأربعة عشر ربيعا في قاعة المحكمة في ريف دمشق، مع عريس المستقبل، سعودي الجنسية ويبلغ السبعين من عمره، بعين واحدة وبالكاد يمشي الخطوة من غير أن يتعثر! المحامي، لا سامحه الله، كان يشتكي للقاضي ويتذمر من أن غير محكمة رفضت تثبيت الزواج.

القاضي طلب الانفراد بالصغيرة طالبا من عائلتها وعريسها ومحاميها الخروج من القاعة، وسألها عن رأيها في الزواج فأجهشت بالبكاء، وفورا أصدر قراره برفض تثبيت الزواج.

للأسف هناك طرق عديدة للتحايل على القانون، وفي القانون نفسه هناك ثغرات عديدة تتيح الالتفاف عليه وتمنح الجناة فرصة للنجاة بأفعالهم، والطريق لايزال طويلا نحو تعديلات تشريعية جوهرية في هذا الإطار.

والثقافة المجتمعية تلعب دورا كبيرا في زيادة صعوبة تحقيق تقدم في مثل هذه القضايا عادة. لكن لايزال هناك ما يمكن فعله بكل تأكيد.

نص قانوني يجرم عاقد مثل ذلك القران وولي الأمر والزوج المرتقب، من شأنه أن يحد كثيرا من هذه الحالات. وهو ما يتطلب جهدا متضافرا من الهيئات الحقوقية والمجتمعية كافة، مع مساندة الإعلام. وللأسف لا يبدو أن هيئة حقوق الإنسان في السعودية كان لها دور كبير في القضايا السابقة، فيما تبقى آراء فقهية مختصة وشجاعة تنفي صفة الحلال عن مثل هكذا صفقات، مفتقدة بشدة، وهذا مجال آخر لا يمكن تجاهله في قضايا يختلط فيها المجتمعي بالديني بالقانوني إلى حد بعيد.

* كاتبة سورية