خصوصية الإصلاح تعني توافر مشروع أو أجندة إصلاحية مناسبة للواقع تأخذ بالحسبان التنمية والإنسان بعيداً عن القوالب الجاهزة.
يشكل المستقبل القلق الأكبر للإنسان باعتباره في غياهب المجهول، خصوصا عندما يكون الحاضر بلا ملامح وبلا عنوان، وفاقد لأرضية التغيير المهيأة لكل التحولات الإنمائية والتطويرية... ومن هنا يزداد القلق أكثر من الآتي رغم اتساع رقعة المؤتمرات -وبعناوين كبيرة- المهتمة بالشأن الإصلاحي والمستقبلي، وذلك لعدم توافر الإرادة السياسية إضافة إلى غياب ثقافة الإنماء والإصلاح.منتدى المستقبل المنعقد في أبوظبي بدورته الخامسة، الذي ولد على يد الإدارة الأميركية عام 2004 مع تبني قمة تونس له، والذي يضم 38 وزير خارجية يمثلون الشرق الأوسط ودول الثماني إضافة إلى بعض مؤسسات المجتمع المدني العربي- إن وجدت- والدولي وبحضور بعض المنظمات الدولية المهتمة بالأمن والتنمية...ويهدف المنتدى إلى إرساء الإصلاح والديمقراطية في الوطن العربي... واحتوى جدول الأعمال على مواضيع الإصلاح السياسي والمرأة والبيئة القانونية للمنظمات غير الحكومية، والتعاون بين القطاعين العام والخاص ومحور التنمية.والأنباء أشارت، رغم التعتيم، إلى سيطرة الأزمة الغذائية على النقاش دون غيرها، وحث المجتمعون على التشجيع على الاستثمار في المجال الزراعي والتعامل بشفافية مع موضوع الغذاء، وتم الاتفاق على أن يكون موضوع الدورة المقبلة (الانتخابات).. هذا مجمل ما تسرب عن المنتدى.الاقتصاد والسياسة جناحا التنمية، وإقصاء أحدهما يعني السقوط مهما تنوعت المؤتمرات وتعددت الندوات وتضخمت الشعارات، وهما ملازمان للتنمية والإصلاح، ومحاولات الفصل التي يروج لها النظام العربي دائما بينهما لم توصلنا إلى الآن إلى أي قفزة تنموية، ومحاولات القص واللزق والترميم وإعادة المحاولة في البناء لم تحقق شيئا سوى الفشل والانسداد، ناسياً هذا النظام أن التنمية هي في الأصل ثقافة وفكر ووعي قبل أن تكون إجراءات وانفعالات رسمية. والنهج الشمولي في هذا الإطار لم يوصلنا إلا إلى مزيد من الفشل والفساد الذي ينهش الاقتصاد والناتج القومي ومفاصل المجتمع عموماً، ومن هنا جاء المؤتمر هامشياً رغم العناوين الكبيرة التي لم تُبحث فيه، وأخذت مشكلة الغذاء الحيّز الأكبر من الاهتمام الخطابي، وكأن الغذاء خارج نطاق الاقتصاد والسياسة وخارج نطاق الإصلاحات... إذ كيف ستُحل مشكلته ويد الإصلاح مغلولة في تخليص التربة من الأملاح؟! وكيف ستُحل مشكلته والمال العام يفتقد إلى أدنى درجات الأمان؟ وكيف ستُحل مشكلته والأكسجين غادرنا منذ أول زيارة للسجان؟أدرك النظام العربي أن المنتدى فقد بريقه ومعه كل المنتديات عندما تخلت المنظومة الغربية عن دورها الإصلاحي لمصلحته لقناعتها بأنه خير حارس لمصالحها، وأن البديل هو التطرف، ناهيك عن إدراك هذه المنظومة أن وعي شعوب المنطقة هو عقبة كأداء في وجه أي مشروع هيمنة على المنطقة، علماً أن مشروع الإصلاح الأوسطي ما هو إلا مشروع ضغط وإلحاق بركب العولمة من خلال عمليات حقن ونفخ وشدّ في ملامح النظام العربي ليكون أكثر قبولاً، ويكون للمنظومة الغربية بعض الرصيد الشعبي في المنطقة ويكون لها اليد الطولى في ترتيبها والإمساك بقرارها.خصوصية الإصلاح تعني توافر مشروع أو أجندة إصلاحية مناسبة للواقع تأخذ بالحسبان التنمية والإنسان بعيداً عن القوالب الجاهزة، وهذا ما طرحه وزير خارجية الإمارات والوزير اليمني في تأكيدهما على «إصلاح غير مستورد، وبما يتوافق بل توافق عليه المنطقة»... وسؤالنا: ما الخصوصية؟ وما ملامحها؟ وما مشروعها؟ فنحن لا نرى خصوصية للنظام العربي سوى الخصوصية الأمنية التي تميزنا فعلا عن باقي الأمم لأنها مركز صنع القرار ومركز التنمية الشاملة، فمن دوائرها تُرسم الخطط والإصلاحات ويُرسم مستقبل الوطن، بل من مناخها تحدد نسبة الحرارة والرطوبة وموعد سقوط الأمطار حتى من غير غيوم... وهذه الخصوصية الوحيدة في حياتنا، فهل المقصود توسعة الخصوصية حتى تشمل دور الحضانة والخدّج وكل من في الأرحام؟!الانتخابات موضوع الدورة المقبلة... فهل ستتم الدورة في العام القادم لانشغال الدول الثماني في إصلاحاتها المالية الكارثية؟ أم سنرى خصوصية أخرى غير 99.99%؟ أم سترتفع النسبة تزامناً مع ارتفاع أسعار الغذاء وارتفاع الرصيد النظمي العربي لدى الغرب؟! سننتظر ولا نملك سوى الانتظار.
مقالات
منتدى المستقبل... وأي مستقبل؟!
24-10-2008