طرح الزميل د. ساجد العبدلي في مقاله عن الاستفتاءات الإلكترونية في 2 ديسمبر 2008 تساؤلاً حول إلى أي مدى تعكس التعليقات- وأضيف إليها الاستفتاءات- في موقع «الآن» رأي الشارع؟ وهو تساؤل يعيدنا إلى الاتفاق أولاً على طبيعة التعليقات والاستفتاءات الإلكترونية بشكل عام، حيث لها غرضان: الأول تسويقي بجعل الموقع تفاعلياً بدلاً من الجمود، والثاني هو قياس رأي زوار الموقع، وهم شريحة محدودة لا تمثل بالضرورة الشارع. إذن كون الاستفتاء نظيفا أم «معبوثا به» لا يهم في تساؤل العبدلي، ففي الحالتين لا يعكس رأي الشارع، بل رأي زوار الموقع فقط، ما يجعل التساؤل مبنياً على فرضية غير دقيقة، ناهيك عن افتقار الاستفتاءات الإلكترونية بشكل عام لأدنى المتطلبات العلمية. لذلك، فإن استخدام نتائج تلك الاستفتاءات لتدعيم وجهة نظر أو دحضها لا قيمة له.

Ad

ما يفقد الاستفتاءات قيمتها أيضاً هو التضليل والتوجيه الذي تمارسه وسائل الإعلام في طريقة صياغة السؤال، ففي استفتاء على موقعها سألت قناة «الجزيرة»: «هل تؤيد إجراء تغييرات في سياسة قناة (الجزيرة) استجابة للضغوط الأميركية؟» ومن يعي نوعية متابعي «الجزيرة» يعرف أن مجرد ذكر «الضغوط الأميركية» كاف لاستفزاز المشاعر وتوجيه الرأي باتجاه محدد. وفي استفتاء آخر تسأل «الجزيرة»: «هل يرتكب العرب مع سورية نفس الأخطاء التي ارتكبوها مع العراق؟»... وهنا تم افتراض أن المشارك متفق بالأساس على أن هناك أخطاء مع العراق.

وعودة إلى موقع «الآن،» تم طرح استفتاء «هل تؤيد إزالة الدواوين؟»... وهو سؤال مضلل لأن القضية كانت إزالة التعديات على أملاك الدولة، ولو كان القصد التركيز على الدواوين فإذن لم يحدد إن كان يقصد الدواوين كلها أم المخالفة منها.

وفي استفتاء آخر سأل: «هل ترى ضرورة استقالة وزيرة التربية إثر فضيحة الاعتداء الجنسي على التلاميذ؟».... وهنا مجرد ذكر «فضيحة» فيه إبداء للرأي وإثارة للمشاعر وخلق شعور سلبي لدى المشارك، وذلك من شأنه أن يوجه الرأي في اتجاه محدد.

ولعل أشهر مثال يجمع المثالين السابقين في التوجيه وعدم إعطاء المعلومة كاملة وإثارة المشاعر هو الاستفتاء الذي قامت به حملة جورج بوش في عام 2000 ضد منافسه جون ماكين في ولاية ساوث كارولينا، عندما كان السؤال: «هل ستؤيد جون ماكين لو علمت أن لديه ابنة سوداء غير شرعية؟»... إذ بمجرد ذكر «سوداء غير شرعية» تم استفزاز المشاعر في ولاية محافظة مازال النَفَس العنصري موجوداً فيها، كما أن الاستفتاء لم يوضح أن ابنة ماكين سوداء لأنها أفغانية، وغير شرعية لأنها ابنته بالتبني وليست كما يوحي السؤال بأنها نتيجة خيانة زوجية... الأمثلة السابقة تجعل الاستفتاء لا قيمة له لسقوطه في اختبار الموضوعية.

لقد بات قياس الرأي العام عاملاً أساسياً في تقييم أداء الدول والحكومات والمؤسسات، ونحن نعاني فراغاً كبيراً في هذا المجال، ونعيش في منطقة هي الأحوج لتقييم الأداء في ظل الغياب التام لدور المؤسسات الأكاديمية والبحثية والإعلامية والمدنية في هذا المجال، لدرجة أننا بتنا نعتمد على جهات أجنبية مثل «غالوب» لقياس الرأي عندنا، وللأسف هذا الفراغ تستغله الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية فتستثمر جهل الشارع بأدنى متطلبات المهنية والمصداقية، وتمارس التضليل باستخدام استفتاءاتها للدفع بأجنداتها الخاصة أحياناً.