أثار بعض الناشطين في حركة «حدس» جدلا واسعا حول التسجيل الصوتي لمحاضرة د. أسيل العوضي في مادة التفكير النقدي (الذي تطرح فيه وجهات النظر المختلفة من دون فرض رأيها على الآخرين) لتقدمه الطالبة التي سجلته خلسة للإخوة الحدسيين الميكافيليين الذين يؤمنون بمبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» ليقطعوه ويجزئوه مستخدمين كل الوسائل غير المشروعة لاستماتتهم للوصول إلى هدفهم السياسي... وما التعليقات البذيئة والظالمة سوى دليل على طريقتهم المتدنية في نشر حوار مقتطع من سياقه وتأويله حسب الأهواء.

Ad

نورد هنا يا سادة وسيدات... يا من تلفظتم بأقبح الكلمات... وتجردتم من الضمير والأخلاقيات، ما جاء في تفسير آية الجلباب في قوله تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما»، والتي كان لها سبب تنزيل ورد في التفاسير المختلفة، فيقول ابن سعد في طبقاته: «كان نساء النبي يخرجن بالليل لحاجتهن، وكان الناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين، فشكوا ذلك، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا: إنما نفعل ذلك بالإماء!! فنزلت هذه الآية» (طبقات ابن سعد: 8/141)... «لما كانت الحرة تخرج فتحسب أنها أمة فتؤذى... أمرهن الله أن يخالفن زي الإماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن» (طبقات ابن سعد: 8/141)... وهكذا كان تفسير ابن كثير والطبري والقرطبي والبغوي وغيرهم.

أما بالنسبة للآية الكريمة الآخرى التي كانت موجهة لنساء النبي حصراً فهي الآية «وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن»، حيث ورد في أحد مواقع الإخوان المسلمين: (http://www.ikhwan.net/vb/showthread.php?t=2102)، وقد ذكر فيها اسم الحركة الدستورية في الكويت (حدس) كأحد الفروع للإخوان المسلمين.

ويعلق الكاتب «الإخواني» مؤكدا توجيه هذه الآية لنساء النبي... كما يبين في تعليقه أن لفظ الحجاب «يأتي غالبا في الساتر وليس في اللباس»... ويقول «العجب كل العجب بعد هذا ممن يدعي أن الحجاب في هذه الآية هو حجاب الوجه أو أنها تتضمنه!! فالعلماء فسروا الحجاب هنا بشيء خارج عن اللباس ونحوه». ليختم بحثه بقوله «فتبين من كل ما سبق أن الآية ليست خاصة أبدا بحجاب البدن». فعلام هذه الضجة يا إخوان، وقد اعتمدتم في طرحكم على تفسيرات مختلفة استنادا إلى قابلية التفسير المتعدد للنص الديني الذي لا يرتكز على منهجية أحادية التفسير؟

لم نكن نرغب الخوض في أمور جدلية وفقهية اختلف عليها المفسرون... ولكننا مضطرون لأن إخواننا في «حدس» تجاوزوا كل القيم الأخلاقية وأبعدونا عن القضايا التي تهم الوطن كالتنمية والبناء والاهتمام بالقضايا المصيرية التي تواجه البلد، فجل اهتمامهم يصب في محاربة المرأة ومنعها من دخول المجلس الذي أصبحت قاب قوسين أو أدنى منه... فوصولها وتفوقها يقض مضجعهم في صحوهم ومنامهم... فهم «إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم»... ولا نستغرب عليهم هذه السلوكيات الانتهازية والألاعيب الخبيثة، فقد حذر الكثيرون من خطرهم الداهم على المجتمع... أما يكفيهم هذا الانحطاط الذي وصلنا إليه بسبب سيطرتهم على البلد لثلاثين سنة؟ ليجرونا إلى صراع ترهيبي تكفيري لا يحمد عقباه.

ولم نكن ننوي أن نتطرق لموضوع قد يفهم زورا وبهتانا بأنه موقف ضد الحجاب والمحجبات (كما تدل عليه التعليقات والجدل القائم في الساحة الإعلامية)... ذلك لإيماننا المطلق بالحريات الشخصية وعدم فرض الآراء ومصادرتها ولاحترامنا الكامل للمحجبات وغير المحجبات... بعكس ما يتفوهون هم به من نعوت وأوصاف لا تليق بالمجتمعات المتحضرة مثل «سهلات المنال» و«اللقطاء» و«المختلط بهن» وغيرها من النعوت التي يشيب لها الرأس.

وما بيان «ثوابت الأمة» الذي كفّر من يقول بهذه التفاسير التي لم نأت بها، إنما وردت في تفاسير الثقاة الذين يعتمد عليهم المسلمون اعتمادا أساسيا، وما هذه الفتاوى التكفيرية إلا دليل على عبثهم بالبلاد والعباد، فقد نصبوا أنفسهم وسطاء بين الله عز وجل والناس، وجعلوا فتاواهم الخاصة بهم بمنزلة القرآن نفسه «لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه» بل اتخذوا بعضهم بعضا «أربابا من دون الله». ألم نقل إن الإسلام السياسي (وليس الإسلام العقيدة) كارثة وطامة بل بداية النهاية لهذا الوطن المعطاء... اللهم احفظنا وقنا شرورهم وخبثهم.