أحرص كل رمضان، على أن أجمع أولادي لمشاهدة المسلسلات الخليجية والكويتية، خصوصا، لأسباب كثيرة: أولها أن يعيشوا أجواء مشابهة لأسرهم في الكويت، وآخرها أن يتعلموا لهجتهم ولغتهم الأم، والتي هي مجهود الأسر الذاتي في الغربة، اضافة إلى مدارس أيام السبت التي تدعمها الحكومة الكندية.

Ad

ورغم أنني لا أنكر تعلّق الأولاد بكثير من المسلسلات التاريخية، الا أن تعليقهم الدائم على الأعمال الخليجية والكويتية هو: لماذا كل هذا الصراخ والبكاء؟

لا أستطيع أن ألوم أولادي حين يفضلون مسلسلات «الحياة الجميلة لزاك وكودي» أو «هانا مونتانا» أو «كوري في البيت»، هربا من بكاء الممثلات وحالات الشلل التي تصيب أغلب الممثلين نتيجة عقاب إلهي لخطأ دنيوي.

وأيضا لا أجد إجابة مقنعة لكي أفسر للأبناء ثقافة البكاء الكويتي والخليجي، وأكثر من ذلك، أبدو متناقضا -إن لم أكُن كاذبا- حين أحاول اقناعهم بأن الحياة هناك أجمل من مسلسل يبكي فيه الممثلون ثلاثة أرباع الحلقة طيلة الشهر، وما تبقى هو محاولات كوميدية أغلبها بعيد عن الكوميديا.

عودة الى سؤال الأولاد البريء: لماذا كل هذا العويل والبكاء؟

المفترض أن الناس تعيش في فترة من الرخاء ورغد العيش تدعو الى الابتكار الجميل، ومن المحزن أن الحزن هو السمة الغالبة في الأعمال التلفزيونية، لأنها الأسهل ومطيّة أغلب الكتّاب الطارئين على الكتابة، ويتقنها أغلب الفنانين المُجيد والرديء على حد سواء.

لا أريد أن أقارن بين القنوات العائلية الأميركية والعربية، لأن المقارنة قد لا تُعجب من يرى أهل الغرب «جبناء، بخلاء وكريهي الرائحة»، ولكن أوكد أن القنوات الخليجية هي قنوات عائلية مخصصة للأسرة، وبالتالي هي ليست حقلا نجرب فيه صراخنا وبكاءنا مباشرة على جميع المشاهدين بمضامين لا تتناسب اجتماعيا أو نفسيا مع مختلف فئات المشاهدين.

ان حجة تقديم الصور الاجتماعية السلبية كي يتجنبها المشاهد حجة واهية، وان صحت فهي لا بد أن تخضع لدراسات اجتماعية ونفسية يقوم عليها أساتذة تخصصوا في هذا المجال، وليس دورهم الوحيد التدريس في المعاهد والجامعات أو استقبال المرضى في العيادات.

العمل التلفزيوني العائلي هو احدى أدوات الخطاب الثقافي، اضافة إلى مكتبة البيت -ان وجدت- والمدرسة، والتي تخلق الشخصية الاجتماعية للفرد، ولأننا شعب لا نقرأ رغم قدرتنا على القراءة، ولأننا نشكو من مستوى تعليمنا ومخرجاته، فلنهتم على الأقل بالجهاز الذي يشاهده أغلب المواطنين، ان لم يكن كلهم.

أنا لا أعرف استاذا واحدا في علم النفس أو الاجتماع له علاقة بما تنتجه وسائل الاعلام، وقرار بث برنامج أو عمل ابداعي هو قرار مجموعة من الموظفين ربما كانوا خريجي اعلام ورقباء ليسوا متخصصين ليتولوا مهمة تشكيل الشخصية الاجتماعية لأبنائنا وبناتنا.

لم أكن أريد المقارنة بين الأعمال العائلية في أميركا وبلادنا، لكنني فقط أريد أن أذكر -ان نفعت الذكرى- بأن المسلسل التلفزيوني العائلي الأميركي يخضع لرقابة مسبقة تحت اشراف لغويين وخبراء علم نفس واجتماع، وتساعد العائلة في تحديد وقت المشاهدة، فالأطفال دون الثامنة لا يشاهدون مسلسلات قنوات العائلة لما فوق الثامنة، حتى ان كانت قنوات لا تخدش الحياء العام، لكن المحتوى الفني للعمل لا يتناسب وقدرة الأطفال دون الثامنة على الفهم.

سأكتفي بمثال واحد يتكرر كثيرا في المسلسلات الكويتية وهو تعاطي المخدرات، فتناول موضوع كهذا يجب ألا يتم بعرضه لمشاهدين من مختلف الأعمار، فمناقشة ما هو سلبي في المجتمع قد يساعد في علاج الظاهرة السلبية، لكن عرضه لأطفال وشباب يزيد من انتشارها كظاهرة.

منذ انشاء التلفزيون ونحن ننظر إليه كجهاز اخباري رسمي يقدم الترفيه، ولم نتعامل معه كجهاز ثقافي وتربوي المجال فيه لخبراء علم النفس والاجتماع والتربية واللغة أكثر من خبراء الاعلام، فمجال هؤلاء أكثر من الموظفين، لكن ما يحدث حقيقة هو العكس.