كلُّ شيء يجري وفقاً للمخطط القديم والمرسوم فـ «الإخوان المسلمين» حتى في فلسطين، وكانوا يومها جزءاً من «إخوان الأردن»، وقفوا ضد منظمة التحرير لأنهم اعتبروها من «اختراع» الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بهدف الإمساك بالورقة الفلسطينية، ووقفوا أيضاً ضد المقاومة لأنهم اعتبروها «موضة» قومية- يسارية، وهكذا فإنهم لم يطلقوا «حماس» إلا بعد أكثر من عشرين عاماً من بداية «الثورة»، وهم منذ لحظة انطلاقها وضعوا نصب أعينهم ضرورة تدمير المنظمة وشطب كل ما أنجزه الفلسطينيون على مدى مسيرة نضالهم الطويل.
لقد بقي ياسر عرفات يفاوض «حماس» لسنوات طويلة، لكنه لم يفلح في حملها على الانضواء في إطار منظمة التحرير، التي هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وفقاً لقرار قمة الرباط العربية في عام 1974، رغم أنه عرض عليها ان يكون لها أربعون في المئة من أعضاء المجلس الوطني، وحاول خلال الانتفاضة الثانية التي سميت «انتفاضة الأقصى» ان يتفق معها على تبادل الأدوار في خوض الصراع مع الإسرائيليين، لكن لأن أهدافها لم تكن أهدافه فقد استغلت ظروف ما بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وذهبت بالتصعيد حتى الحدود القصوى، وتركته وحده عندما حوصر في المقاطعة في رام الله الى ان انتهت تلك النهاية المأساوية المعروفة. كان الهدف منذ البداية هو شطب منظمة التحرير والتخلص منها، وهو هدف لا يزال يتكئ على موقف «الإخوان المسلمين» القديم الجديد من هذه المنظمة، ولذلك فقد استقبلت «حماس» ياسر عرفات العائد من رحلة المنافي الطويلة الى الوطن بعربة اتفاقيات أوسلو بمذبحة ما سمي «السبت الأسود»، وهي بقيت تكرس كل الدعم الذي يأتيها من إيران لزعزعة الأمن في غزة وأيضاً في الضفة الغربية لإظهار ان الرئيس الفلسطيني الراحل غير قادر على ضبط الأوضاع والسيطرة عليها، وأنه بالتالي غير مؤهل لأن يمثل الفلسطينيين ولأن يكون طرفاً في عملية السلام. إن كل هذا جرى في تسلسل أثبتت الأيام أنه جزءٌ من خطة وُضعت بمشاركة إقليمية ودولية حتى قبل انطلاقة «حماس» في عام 1987، وان إعلان خالد مشعل، بعد أن التقى الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق لإهدائه وإهداء سورية «الانتصار الإلهي» الجديد وبعد زيارته الأخيرة للعاصمة القطرية (الدوحة)، عن مرجعية فلسطينية جديدة غير منظمة التحرير هو استكمال للانقلاب العسكري على السلطة وعلى المنظمة في يونيو 2007، وهو استكمال للانقسام الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة الغربية. قبل ان يعلن خالد مشعل باسم ثماني فصائل فلسطينية، ليس من بينها من له وجود على أرض الواقع إلا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، عن إنشاء مرجعية جديدة غير مرجعية منظمة التحرير كانت هذه الفصائل الثماني، التي ستة منها وهمية، قد أعلنت في اجتماع كانت عقدته في دمشق ان محمود عباس (أبومازن) لم يعد رئيساً لا لمنظمة التحرير ولا للشعب الفلسطيني، وهنا فإن ما يجب لفت الأنظار إليه هو ان هذين الإعلانين قد جاءا بينما كان الموفد الأميركي الجديد الى الشرق الأوسط جورج ميتشل يحزم حقائبه للمجيء الى المنطقة بتصور هو تصور باراك أوباما الواعد بحل قضية فلسطين وإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي. إن كل هذا لا يمكن ان يكون مجرد خطوة عفوية لأناس دافعهم أنَّ لهم وجهة نظر بالنسبة الى حل القضية الفلسطينية تختلف عن وجهة نظر منظمة التحرير، فالاختلاف ضروري بشرط ان يكون ضمن الوحدة، وقد كانت هناك دائماً وأبداً وجهات نظر متغايرة داخل هذه المنظمة مثلت طرفاً فيها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومثلت الطرف الآخر حـركة فتح، ولذلك فإنه لا يمكن قبول هذا الذي أعلنه خالد مشعل لا من قبل الفلسطينيين ولا من قبل العرب لأن المستفيد الوحيد منه هو بنيامين نتنياهو وهو اليمين عتاة اليمين الإسرائيلي المتطرف... إنها خطوة غير مباركة! * كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
خطوة غير مباركة
02-02-2009