حتى لا تتكرر مرة أخرى!
قارئة بعثت لي بهذه الرسالة:«سؤال لو سمحت: كيف تريد من الفلسطينيين أن يدافعوا عن أرضهم؟! وبماذا تقترح عليهم أن يحاربوا؟! ضع نفسك مكانهم وقل لي: ماذا تفعل إن أتى شخص إلى منزلك وشاركك فيه، ثم فرض عليك شروطه؟ ألا تقاومه ولو بـ«القفشة»؟
صواريخ «التنك» التي تستخف أنت وغيرك بها، تؤلم الصهاينة وتكبدهم القتلى والجرحى، وهي التي تجعلهم يقصفون غزة بهذه الوحشية!الضربة الصهيونية لغزة، ليست وليدة اليوم، بل مخطط لها منذ سنوات، وبعد غزة سيضربون مصر، والأردن، وسورية وإيران، حتى يصلوا إلينا، فماذا ستفعل حينها؟!إسرائيل لا تريد المفاوضات، ولا تلتزم بالتعهدات، وقد تنازل الفلسطينيون مرارا، وقبلوا بشروط كثيرة، لكن إسرائيل لا تنفذ أياً من التزاماتها، ولذلك، فالحرب حتمية، لكن فلسطين يتيمة وعليها أن تحارب وحدها، فالعرب نائمون خرسان طرشان!قبل أن تكتب وتهاجم «حماس» أو أي من المقاومين الفلسطينيين الذين يمارسون حقهم المشروع، عليك أن تهاجم بعض العرب الذين منذ بدء اجتياح إسرائيل لفلسطين، وهم صامتون، متعاونون، متآمرون!»وللقارئة الكريمة، ولكل من أساء فهم ما جاء في مقالي السابق، أقول: إن الكلمة أمانة، وكل كاتب أمامه طريقان، إما أن يساير الموجة، فيكتب ما يريده الناس، باكيا حين يبكون، هازلا حين يهزلون، دون أن يكسب عداوة أو نقمة أحد، ليستلم راتبه آخر الشهر، ثمنا لهذه المسايرة والمجاملة على حساب المصلحة العامة، أو أن يسلك الطريق الآخر، فيكتب ما يمليه عليه ضميره، ويطمئن له قلبه، ويشعر أنه الحق، وإن خالف الناس فيما يشتهون وناله منهم الأذى، وأنا، ممن اختاروا هذا الطريق، فراحة الضمير أهم من رضا الناس جميعا.ليس أسهل على المرء من أن يبكي ويولول على ما حدث ويحدث في غزة، وأن يلعن الصهاينة والأميركيين، ويشتم المتآمرين والخونة والعملاء، فالأمر لن يكلفه كثيرا، بعض الدموع، ثم يذهب إلى بيته، ليتعشى، ويملأ كرشه، ثم ينام قرير العين، هادئ النفس، مرتاح البال، فقد أدى ما يتوجب عليه من واجبات بكائية، على أتم وجه وأكمل حال!لكن بكاءه لن ينفع أهل غزة في شيء، فهم وحدهم من سيأكلها، فقد ابتلوا بعدو شرس لا يرحم، وقيادة «حماسية» تفتقر لأبسط أبجديات السياسة، وتتحكم بها أطراف خارجية لها مصالحها الخاصة، وهو وضع يجعلها غير مؤهلة لحماية أرواح وممتلكات شعبها، وغير قادرة على كسب أي تعاطف دولي لقضيتهم العادلة، فسذاجتها السياسية والإعلامية، تظهر الصهاينة على الدوام، وكأنهم المظلومون والمعتدى عليهم!على مدى عام ونصف من استلام «حماس» للسلطة، ذاق الغزاويون المصائب الواحدة تلو الأخرى: نقص في الغذاء والدواء والكهرباء، وانقسامات في الداخل، وعداوات في الخارج، ورفض دولي لوجودها في السلطة، فكان الأولى بهذه القيادة الحماسية، والحال كذلك، أن تنظر لمصلحة شعبها قبل مصلحة قيادييها، فتسلم السلطة لمن يصلح الأمور، بدل البطولات الكلامية والصواريخ «التنكية» التي لم تجلب لهم سوى الموت والدمار والانكسار!القيادة مسؤولية، وعلى من يتولاها، أن يكون كفؤا لها، وأن يراعي الله بمن اؤتمن على أرواحهم، فلا يلقي بهم إلى التهلكة، وأن يزن الأمور بميزان الحكمة والعقل، ويدرك فارق القوة بينه وبين أعدائه، فلا يسمح لهم بجره لحرب عبثية خاسرة، يدفع ثمنها الأطفال الأبرياء الذين لا ذنب لهم، سوى سذاجة وتهور قادتهم، ومكر ودهاء أعدائهم، الذين يدعون الله ليل نهار، أن يديم عليهم نعمته، بهكذا خصوم!للأسف، لم نتعلم من التاريخ شيئا، ومازلنا ننبهر بالصوت العالي، وبأبطال الميكروفونات الذين سيسحقون الأعداء سحقا، ويحققون انتصاراتهم الوهمية المعتادة، إنهم يستمرون بالكذب علينا، لأننا نستمر بتصديقهم، وغدا أو بعده، سينهي الجيش الإسرائيلي مهمته وينسحب، ليجلس قادة «حماس» على جماجم الضحايا، معلنين انتصارهم على العدو!أن نتعاطف مع أهالي غزة في مصيبتهم، وأن ننصرهم ونساعدهم بقدر ما نستطيع، فهذا واجب علينا، لكن من واجبنا أيضا، أن نكون صريحين معهم ومع أنفسنا، ونبين لهم كيف ومن تسبب بها، حتى لا تتكرر مرة أخرى!