عوامل كثيرة تصنع الشبه بين الإمارات والكويت؛ فالبلدان شقيقان حقيقيان تجمعهما اللغة المشتركة والدين الواحد وعضوية الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما تتشابه البنية الاجتماعية والثقافية لكليهما، ونمط الاعتماد الاقتصادي، وربما التهديدات والتحديات الاستراتيجية في إطارها العام.

Ad

البلدان يتشابهان أيضاً في مشكلة التركيبة السكانية، والاعتماد على العمالة الوافدة بكثافة كبيرة، وتوافر الفوائض النفطية، وإنفاقها في عملية تحديث وتنمية مستحقة للوصول بالسكان إلى مستويات لائقة بالرفاه الاقتصادي المتولد عن المكاسب الريعية الضخمة.

لكن عوامل عديدة للتباين تظهر؛ منها النظام الاتحادي الذي يحكم الإمارات، والصيغة التوافقية التي تضمن لا مركزية الإمارات السبع فيما يختص بالأمور المحلية وتحقق المركزية الواجبة فيما يختص بقضايا الاتحاد ذات الطبيعة الاستراتيجية.

كما يظهر التباين واضحاً في التجربة الديمقراطية الكويتية التي تنفرد بها الكويت، ليس في سياق المقارنة بالإمارات فقط، ولكن في سياق المقارنة بالشقيقات الخليجيات وربما العربيات على اتساع المساحة من الخليج إلى المحيط.

لسنوات عديدة فائتة ظلت الديمقراطية، وذراعها الأمضى الممثل في الانتخابات، أبرز ما يميز الكويت ويضع أجندة القضايا التي يتداولها الناس عنها في الخارج والداخل. ولسنوات عديدة فائتة أيضاً ظل الإنجاز والتقدم غير المسبوق أبرز ما يميز الإمارات ويطرح النقاش حول آلياته والنجاحات التي يحققها يوماً بعد يوم.

ديمقراطية في الكويت تقف أمام إنجاز مادي مطرد النمو في الإمارات، فلماذا لم نشهد الديمقراطية مع الإنجاز متلازمين في أحد البلدين أو كليهما؟ وهل ثمة علاقة عكسية بينهما تحول دون اجتماعهما بمكان واحد في دول الخليج؟ أم أن الكويت تستغنى بالديمقراطية عن الإنجاز، فيما تستغنى الإمارات بالإنجاز عن الديمقراطية، على اعتبار أن أحدهما يعوض الآخر عادة في ظل محدودية السكان واقتصاد ريعي يدر من الفوائض ما يعالج أعظم الخلل؟

أن تتداعى البنية الأساسية إلى حد أن تشم روائح كريهة منبعثة من مساحات واسعة بسبب فساد نظام الصرف أمر لا يمكن تصور حدوثه بالإمارات اليوم. وفي المقابل لا أحد يصدق أن يوماً ما، خلال سنوات كثيرة مقبلة، قد يشهد صحيفة إماراتية تنقل وصف مرشح إماراتي بالانتخابات البرلمانية لوزير نافذ من أبناء الأسرة الحاكمة بأنه «طرزان أهوج».

كنا تعودنا لعقود على قراءة أدبيات أجنبية عديدة تتحدث عن المنطقة في تقارير أو تحليلات أو موضوعات صحافية، مختصرة الدول الست التي تشكل مجلس التعاون لدول الخليج العربية بقولها «السعودية العربية وخمس دول صغيرة في الخليج». اليوم يعرف من يتابع منا الأدبيات ذاتها أن الحديث بات عن «دبي والإمارات الخليجية»؛ فقد انسحب السياسي لمصلحة الاقتصادي والمالي، وانكمشت كتلة السياسة الحيوية بعدد سكانها وعمق أراضيها لمصلحة التأثير الاقتصادي النافذ ومهارة التسويق.

شركة طيران منافسة على صعيد عالمي، ومطار أسطوري، وفنادق ذات فخامة قياسية، وبنية أساسية لا تقف عند توسع، وزيادات في الرواتب لمواكبة الغلاء في صورة «مكرمات» لا تحتاج شركات استشارية أجنبية أو صراعات بالبرلمان، و22 في المئة من إجمالي القنوات الفضائية العربية في مدينة إنتاج إعلامي مبهرة، وميناء إقليمي ضخم، وعلاقات متوازنة مع الجيران والعالم، وخطاب سياسي عقلاني متوازن إيجابي مع الأطراف والفرقاء، وإدارة هادئة لمشكلة الجزر المحتلة تحسب المكاسب والخسائر لأي تصرف، وتدرس مواضع الإقدام والإحجام بحنكة وحذر. جميع ما سبق يحدث من دون ديمقراطية.

تمنح الديمقراطية المواطن الكويتي كرامة وشعوراً بالعزة والاستقلال الحقيقي والتفرد في محيط يابس حقوقياً، لكنها لم تنبهه إلى أنه لا يدير موارده على النحو الأمثل، ولا يسخر وقته لتشخيص مشكلاته، ولا يمتلك الأدوات الملائمة لاجتراح الحلول المناسبة، ولا ينفذ السياسات اللازمة في الأوقات المحددة وبالكفاءة الواجبة، ومن ثم لا يحقق الحد الأدنى الواجب تحقيقه من إنجاز.

الصراعات التي تشهدها الأيام الأخيرة قبل انتخابات السابع عشر من مايو، والتجاوزات التي فاضت من معاركها الكلامية الطاحنة، والتحذير الحكومي من المس بمقامات وهيبات رفيعة، والسجال الدائر حول دور القبيلة، والكلام عن الطائفي والمذهبي بكثرة غير معتادة في الأوقات العادية... جميعه لا يبشر بخير.

على الديمقراطية الكويتية أن تثبت أنها باب لتحقيق التقدم والإنجاز، وأنها وسيلة لإدراك السعادة لأهل الكويت، وليست غاية في حد ذاتها نبذل في سبيل إدراكها كل غال ونفيس، ونعجز عن أن نحقق بها ربع ما حقق الآخرون من دونها. على الديمقراطية الكويتية أن تعزز اليقين في نفسها قبل فوات الأوان.

* كاتب مصري