الديمقراطية في جوهرها هي حكم الأغلبية مع احترام حقوق الأقليات. لذا فإنه من غير المستغرب أن تصل من خلال الأنظمة الديمقراطية قوى متخلفة أصولية تنقض أساسات الديمقراطية وتسحق الأقليات السياسية وتهدم مؤسسات المجتمع المدني التي قد ترتقي بفكر وممارسات المجتمع وتوحد صفوفه.

Ad

المتابع للأحداث السياسية المحلية والشرق أوسطية يصل إلى مرحلة من اليأس من الديمقراطية في عالم متخلف مثل العالم الثالث. بل وصل الأمر إلى أن نرى كثيرا من المفكرين يدعون للدكتاتورية والسلطوية كوسيلة وحيدة للتنمية والتطور في هذا العالم بكل إرثه الأصولي والمتخلف. ولعل الدعوات للحل غير الدستوري في الكويت مثال حي على مثل هذه التوجهات.

الديمقراطية في جوهرها هي حكم الأغلبية مع احترام حقوق الأقليات. لذا فإنه من غير المستغرب أن تصل من خلال الأنظمة الديمقراطية قوى متخلفة أصولية تنقض أساسات الديمقراطية وتسحق الأقليات السياسية وتهدم مؤسسات المجتمع المدني التي قد ترتقي بفكر وممارسات المجتمع وتوحد صفوفه. كما أن الديمقراطية بحد ذاتها ليست كافية لضمان حقوق الإنسان والحريات الشخصية والعامة، خصوصا في ظل مجتمعات العالم الثالث وضعف الآليات القانونية فيها.

في أحد الحوارات «الإلكترونية» نبهني أحد الزملاء لمقالة قيّمة لفريد زكريا (1997) بعنوان «صحوة الديمقراطية غير الليبرالية» - The Rise of Illiberal Democracy. وهي تحليل في صلب موضوع نتاجات الديمقراطية في العالم الثالث والتي رغم حريتها وعدالتها النسبية مازالت تنتج الأصوليين والمتطرفين والمتعصبين فكريا وعرقيا.

والسبب في رأي الكاتب يعود بسبب رئيسي إلى الفصل بين الحرية السياسية متمثلة في حريات الأحزاب والانتخابات والإعلام السياسي للوصول للسلطة وبين ما أسماها «الحريات الدستورية» أو الحريات المدنية التي تحدد وسيلة الوصول للسلطة عبر تقديس كرامة الفرد واستقلاليته وحمايته من القهر سواء على يد الدولة أو المجتمع أو المؤسسة الدينية. وفي صلب الحريات المدنية الحرية الشخصية بالعيش الكريم والملكية والتعبير والاعتقاد. ولا يمكن تعزيز أو حماية تلك الحريات إلا بفصل السلطات، ونزاهة واستقلالية القضاء وفصل الدولة عن الدين.

ويؤكد الكاتب من خلال المنطق والأمثلة العملية عبر تاريخ أوروبا والولايات المتحدة أن الحريات الدستورية أو المدنية تؤدي إلى ديمقراطية حقة. إلا أن الديمقراطية بمفردها لا تحمي أو تعزز الحريات الدستورية.

والكويت كمثال حي خطَّت دستورا متقدما نسبيا في زمن توثيقه، ووضع المؤسسون مقومات الحرية الفردية والدستورية كافة باستثناء فصل الدين عن الدولة في المادة الثانية التي تبقى مادة خلافية قابلة للـتأويل بأي اتجاه. ولكننا مازلنا نعاني مخرجات الديمقراطية والانتهاك المنظم لحقوقنا المدنية. والأسباب في رأيي المتواضع هي أن مواد الدستور بقيت حبرا على ورق ولم تعزز بأي من أنظمة الدولة كالتعليم أو القانون. وهذا جعل من السهل على من تسلق كرسي المجلس أن يعبث بحقوق ناخبيه وحقوق الشعب، ولا يملك الفرد منها وسائل دفاع قانونية فاعلة.

وطالما أن القانون كان وسيبقى بيد السلطة التشريعية التي لا تقدر الحريات الفردية الدستورية، فإن وسيلتنا الوحيدة هي المؤسسات المدنية التي تضغط باتجاه احترام تلك الحريات، علاوة على التعليم الذي يخلق القيم الدستورية لدى النشء منذ الصغر حتى لا نعيد إنتاج التخلف والدكتاتورية.

للمزيد من مقالة فريد زكريا:

http://www.fareedzakaria.com/articles/other/democracy.html