إذا كانت القمة العربية العادية الـ21، التي عقدت نهاية الشهر الفائت في العاصمة القطرية الدوحة، استهدفت أساساً عقد مصالحة بين دول عدة انخرطت في منافسات وخصومات شديدة في السنوات الأخيرة، سعياً إلى بلورة موقف عربي، يحظى بحد أدنى من التماسك والتوافق في مقاربة التحديات التي تحدق بالمنطقة، فإن تلك القمة لم تنجح فيما سعت إلى تحقيقه.

Ad

الأمر ينطبق أيضاً على القمة الاقتصادية التي استضافتها الكويت في يناير الماضي، كما ينسحب على القمة الرباعية التي عقدت في الرياض في مارس، والاجتماع الثلاثي الذي أعقبها بحضور وزراء الخارجية ومديري الاستخبارات في السعودية وقطر ومصر في الشهر نفسه؛ إذ لم تنجح «ورشة المصالحات» بجولاتها المختلفة في تخفيف الاحتقانات أو حسم الخلافات بين الدول المعنية.

غاب الرئيس المصري حسني مبارك عن قمة الدوحة الأخيرة في دلالة واضحة على أن جهود المصالحة مع قطر لم تثمر بعد، وأن النقاط الخلافية التي تتفاعل بين البلدين لم تجد طريقها إلى الحسم عبر حلول وسط تصل بالجانبين إلى نقطة التقاء.

تشعر مصر أن قطر استهدفتها عبر قناة «الجزيرة» الفضائية، فشنت عليها هجوماً حاداً أساء إلى موقفها حيال أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة، وفي المقابل تأخذ الدوحة على القاهرة أنها سخرت «أقلاماً حكومية» للكيد لها في الصحف «القومية» التي تتبع الخط السياسي للحكومة.

وفيما تأخذ الدوحة على القاهرة «تخريبها» قمتها التي عقدت خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، مستبقة قمة الكويت الاقتصادية المبرمجة سلفاً، تعترف مصر بدورها «التخريبي» إزاء تلك القمة، وتعتبر أنها كانت «افتئاتا» على قمة الكويت ومحاولة لإحراج الدول العربية المعتدلة وتسخين الشارع العربي.

وفي المقابل، تعتقد القاهرة أن الدوحة لعبت أدواراً «غير مريحة» في ما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، بمحاولتها تصليب مواقف «حماس»، وحضها على عدم استجابة جهود تسوية الوضع الداخلي في الأراضي المحتلة. كما تتصور أن قطر حاولت الانقضاض على صفقة مبادلة الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، التي تجتهد مصر منذ شهور طويلة في محاولة عقدها، عبر دفع أموال لأطراف «حمساوية» بغية عرقلة الصفقة أو إنجاز المبادلة عبر وساطتها.

وإضافة إلى ذلك فإن البلدين يعرفان خلافاً رئيساً حول التعاطي مع إيران؛ إذ ترى الدوحة أن الجمهورية الإسلامية دولة إقليمية مهمة عرفت بمناصرتها للقضايا العربية والإسلامية تقليدياً، وأن إقامة حوار دائم معها، بل إشراكها في المحافل والقضايا العربية أمر إيجابي، في وقت تعتقد القاهرة فيه بأن جهود قطر في هذا الصدد لا تستهدف سوى التوسيع للنفوذ الإيراني في المنطقة، وإنشاء رأس جسر له إلى القرار العربي، مما يهدد المصالح العربية ويزيد من خطورة الأنشطة الإيرانية «الضارة» في الإقليم.

والواقع أن تلك الأمور كان من الممكن حسمها جميعا أو بعضها، بل إن بعض هذه المآخذ تم التعاطي معه بالفعل خلال المحاولات التي استهدفت تحقيق المصالحة؛ مثل استبعاد دعوة إيران لحضور القمة، وتهدئة «الكيد» الإعلامي المتبادل في بعض وسائل الإعلام التابعة للبلدين، لكن متغيراً آخر طرأ على الطاولة حال دون الوصول إلى تسوية قريبة.

تتهم القاهرة الدوحة بتمويل نشاطات معارضين مصريين منهم سعد الدين إبراهيم، وتأخذ عليها ما تسميه «محاولة التدخل في الشؤون المصرية الداخلية»، كما تحتفظ الدوحة باتهام مماثل لمصر على خلفية أحداث 1996 التي شهدتها قطر، وهو الأمر الذي يزيد الأمور تعقيداً؛ إذ إن كلا البلدين ينكر الاتهام الموجه إليه من الآخر في هذا الصدد، فيما يصر على وجاهة الاتهام الذي يوجهه.

كان من الممكن حصول توافق ما خلال قمة الدوحة خصوصاً وقد مالت اللغة المستخدمة من القادة معظمهم إلى التوافق والمصالحة، لكن المصريين أخذوا على القطريين استبعادهم فقرة من مشروع البيان الختامي كانت تطالب الإعلام العربي بـ«تحمل مسؤولياته إزاء الوضع العربي والقضايا العربية»، والمقصود ضمناً كان «الجزيرة»، وهو الأمر الذي ربما دفع القطريين إلى الإصرار على استبعاد الفقرة.

وعلى عكس ما يتصور كثيرون، فإن مصالحة حقيقية لم تتم بين الجانبين الليبي والسعودي رغم اللقاء الذي جمع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والزعيم الليبي العقيد معمر القذافي وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة عقب الجلسة الافتتاحية للقمة. وقد استطاع كل من اقترب من الوفد السعودي خلال أعمال القمة أن يعرف أن الرياض ارتضت بمراسم مصالحة علنية حتى لا تتناقض مع دعوتها الدائمة لرأب الصدع في العلاقات البينية العربية، لكن الإشكال السعودي-الليبي، والطريقة التي قارب بها الزعيم الليبي العاهل السعودي خلال القمة لم تكن مريحة للرياض.

يبقى أن المصالحة بين السعودية ومصر من جهة وسورية من جهة أخرى أنجزت في إطار رفع القيود السياسية والمعنوية عن أي محاولة لالتقاء الزعماء والمسؤولين في البلدان الثلاثة، لكنها لم تنجز في طريق استعادة المحور الذي ضم الدول الثلاث وقاد العمل العربي المشترك لنحو عقد من الزمان؛ إذ يفترق الجانبان حول مفاهيم وقضايا رئيسة بعضها يتعلق بـ«حزب الله» ولبنان، والآخر يتصل بإيران وطريقة إدارة الصراع مع إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو افتراق لم يشهد أي دلالات على حسمه ولو جزئياً، أو حتى إيجاد صيغة مناسبة لإدارته بعيداً عن التنازع.

المصالحة لم تتحقق في قمة الدوحة الأخيرة، لكن تحقيقها غاية يمكن إدراكها، ويجب أن تُدرك، خصوصاً أن المنطقة مقبلة على تحديات خطيرة، لن يتمكن النظام العربي من التعاطي معها وهو على هذه الحال من التشظي والتنازع.

* كاتب مصري