قمة العشرين... هل هي من أجل الفقراء فقط؟

نشر في 15-04-2009
آخر تحديث 15-04-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

شكراً جزيلاً لأوروبا وأميركا واليابان بوجه خاص، على هذا الإنجاز العالمي، الذي تمَّ في قمة العشرين في لندن 2/4/2009 من أجل إصلاح النظام المصرفي العالمي ودعم الاقتصاد العالمي بعدة تريليونات خيالية، ما كان لدول غير أوروبا وأميركا واليابان قادرة على ضخها في شرايين الاقتصاد العالمي.

ولو تفحصنا في الأزمة الاقتصادية القائمة، لوجدناها أزمة تطول الفقراء، ولا تطول الأغنياء في العالم، ففي ظل هذه الأزمة، أصبح الفقراء أشد فقراً في العالم، وأصبح الأغنياء أقل غنى، ولكنهم مازالوا أغنياء، ويملكون مليارات الدولارات، ففي التقرير السنوي الأخير الذي نشرته مجلة «فوربس» عن عدد المليارديرات والمبالغ التي يملكونها، يتبين لنا أن الملياردير الفلاني، كان يملك عشرين ملياراً، فأصبح يملك الآن بعد هذه الأزمة 15 ملياراً فقط. وأن الملياردير العلاني، كان يملك ثلاثة يخوت فخمة وقصرين كبيرين، فباع منها يختين وقصراً... إلخ.

في حين أن الفقير في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، هو الذي طُرد من بيته، ورُمي مع عائلته في الشارع، بعد أن استولى البنك المُموّل على بيته، وباعه في المزاد العلني. وكان الفقير ينام ثلاثة أيام بلا عشاء، فأصبح ينام الآن خمسة أيام بلا عشاء. وتمَّ الحجز على سيارته التي اشتراها بالتقسيط، بعد أن طُرد من عمله. وأن المدرسة قد طردت اثنين من أبنائه لعدم تسديد الأقساط المدرسية... إلخ.

المهم، أن الأغنياء في تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، لم يجوعوا، ولم يناموا بلا عشاء، ولم يفقدوا وظائفهم، ولم يُطرد أبناؤهم من المدارس، وأن الكارثة نزلت على رؤوس الفقراء فقط، دون الأغنياء الذين خسروا أموالاً فائضة، ليسوا بحاجة لها، وهي مجرد أرقام في البنوك.

-2-

فهل كانت مقررات قمة العشرين الكبار في لندن في 2/4/2009 من أجل هؤلاء الأغنياء، أم من أجل أولئك الفقراء التعساء؟

دعونا نستعرض بعض ما جاء في بيان «قمة العشرين الكبار»:

1- من أجل الفقراء، ولمصلحتهم، قال البيان: «نبدأ من الاعتقاد بأن الرخاء الاقتصادي كُلٌ لا يتجزأ. وأنه يجب أن نتشارك في النمو كي يكون مستداماً، وأن خطتنا العالمية للانتعاش، يجب أن تكون في بؤرة تركيزها الاحتياجات والوظائف الخاصة بالعائلات، التي تعمل بجد، ليس في الدول المتقدمة وحدها، ولكن في الأسواق الناشئة، والدول الأكثر فقراً في العالم على السواء».

2- ولمصلحة الفقراء، قال البيان: «الاتفاقيات التي توصلنا إليها اليوم، ستؤدي إلى زيادة حجم الموارد المتاحة لصندوق النقد الدولي، بمقدار ثلاثة أضعاف، لتصل إلى 750 مليار دولار؛ ولدعم مخصص جديد لحقوق السحب الخاص تصل قيمته إلى 250 مليار دولار؛ وتقديم 100 مليار دولار على الأقل في صورة إقراض إضافي عن طريق البنوك التنموية متعددة الأطراف؛ ولضمان تقديم 250 مليار دولار لدعم التمويل التجاري؛ ولاستخدام الموارد الإضافية من مبيعات الذهب بصندوق النقد الدولي من أجل تمويل الدول الأفقر؛ تمثل برنامجاً إضافياً قيمته 1.1 تريليون دولار لدعم استعادة الائتمان والتنمية والوظائف في الاقتصاد العالمي. ومع الإجراءات التي اتخذتها كل دولة على حدة، يمثل ذلك خطة عالمية للانتعاش على نطاق غير مسبوق».

3- ومن أجل إصلاح الوضع الاجتماعي للفقراء، قال البيان: «نلتزم باتخاذ الإجراءات الضرورية لاستعادة التدفق الطبيعي للائتمان من خلال النظام المالي، وضمان سلامة المؤسسات المهمة من الناحية التنظيمية، وتنفيذ سياساتنا، بما يتماشى مع الإطار المتفق عليه في مجموعة العشرين لاستعادة الإقراض، وإصلاح القطاع المالي».

4- ومن أجل الأسواق الناشئة والدول النامية التي تضم الفقراء كأغلبية مسحوقة، قال البيان: «تواجه الأسواق الناشئة والدول النامية، التي كانت محرك النمو العالمي الحالي، تحديات تضاف إلى الانهيار الحالي في الاقتصاد العالمي، وبات من الضروري أن تستمر رؤوس الأموال في التدفق إليها من أجل الثقة العالمية والانتعاش الاقتصادي الأمر الذي يتطلب تعزيز المؤسسات المالية الدولية خاصة صندوق النقد الدولي. ومن ثم وافقنا على إتاحة 850 مليار دولار إضافي من الموارد عبر المؤسسات المالية العالمية لدعم النمو في الأسواق الناشئة والدول النامية عبر مساعدتها في تمويل الإنفاق في الإفراط التجاري، وإعادة هيكلة رأس مال البنوك والبنية التحتية، وتمويل التجارة، ودعم ميزان المدفوعات، وإعادة تدوير الديون والدعم الاجتماعي إلى آخر ذلك كله. وقد اتفقنا على زيادة الموارد المتاحة لصندوق النقد الدولي عبر التمويل العاجل من الأعضاء بـ250 مليار دولار وبالتالي المساهمة في اتفاقية اقتراض جديدة أكثر مرونة وتوسعا، لتزيد إلى 500 مليار دولار ولدراسة سوق الإقراض إذا ما اقتضت الضرورة. ونحن ندعم الزيادة الأساسية في الإقراض بـ100 مليار دولار على الأقل من قبل بنك التنمية المتعدد الأطراف التي تضم الدول منخفضة الدخل وضمان حصول تلك البنوك على رؤوس أموال مناسبة».

-3-

إذن، نلاحظ أن معظم بنود هذا البيان الأممي العالمي القوي، والذي وضع النظام العالمي الجديد موضع التنفيذ الفعلي، جاء لمصلحة الفقراء بالدرجة الأولى، بل إن معظم الأغنياء قد تضرروا من هذا البيان، ذلك أنهم هم سبب هذه الأزمة العالمية، وهم سبب هذه القمة. وهذا البيان، فضحهم من غير أن يسميهم فرداً فرداً، وكشف عوراتهم التي هي عورات المجتمع الرأسمالي، الذي أُسيء استخدام شروطه، وقوانينه، وسبَّب سعادة طفولية للاشتراكيين. ولولا فساد هؤلاء الأغنياء، وجشعهم، وتلاعبهم بالأسواق والبورصات العالمية، والمبالغ الضخمة التي كانوا يتقاضونها كمكافآت سنوية، وتزويرهم للحقائق المالية والميزانيات السنوية، في غياب الرقابة الحكومية، لما كانت الأزمة المالية العالمية بهذا الحجم الضخم.

فهل يعفي هذا البيان الحكومات الأوروبية والأميركية من مسؤولية وقوع هذه الكارثة المالية التي ربما لم تشهد البشرية على مدار تاريخها مثيلاً لها؟

-4-

لا شك أن الدول الأوروبية وأميركا واليابان كذلك– باعتبارها الأغنى في العالم– هي المكلفة بإصلاح هذا العطب المالي والاقتصادي الذي لا مثيل له، من خلال نظام عمل عالمي مشترك. فهي التي تسببت في هذا العطب وفي هذه الكارثة، ولولا أنها أغمضت عينيها، وأهملت مراقبة القطاع المصرفي، ولم تضع حداً للفساد المالي في المؤسسات المالية والائتمانية الكبرى، لما جرى ما جرى، ويجري الآن.

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top