حين يستمرئ المواطنون والمقيمون على اختلاف مشاربهم الدوس على اللوائح والنظم ويستسهلون كسرها فهذا يعني أن هناك خللا في مفهوم المواطنة وفي قيمة الوطن ومكانة الدولة لدى هؤلاء الناس!

Ad

منذ أيام، وفي طريقي إلى العمل، كان الشارع مزدحماً أكثر من المعتاد، والسير يكاد يكون متوقفا بحيث لم تكن السيارات تتحرك إلا بضعة أمتار كل دقيقة، وللتغلب على الملل وتزجية الوقت أخذت أمارس لعبة. أخذت، عبر المرآة الجانبية، أتفرس في وجوه من كانوا يقودون سياراتهم على الخانة اليسرى (خانة الطوارئ) متجاوزين طوابير السيارات المتوقفة.

لا أدري ما الذي دعاني إلى هذه اللعبة، لكن أظن أني كنت أحاول رسم صورة ذهنية لهيئة من يخرقون القانون.

كنت أبحث عما إذا كان في هيئتهم ما يدل على كونهم من المستهترين بلوائح المرور مثلا، أو أنهم من فئة عمرية أو شريحة معينة، لكن ما شاهدته كان مفاجئا فعلا، كان المخالفون من كل الأصناف والألوان والشرائح، فكان فيهم الرجل والمرأة، وكبير السن والراشد والمراهق، وصاحب اللحية، بأطوالها وأشكالها المتفاوتة، والحليق، والمنقبة والمحجبة والسافرة، والكويتي وغير الكويتي، والعربي والأجنبي، سواء من الجنسيات الآسيوية أو حتى من أصحاب الشعور الشقراء والعيون الزرقاء. كانت عينة ممثلة تماما لكل الفئات التي تعيش على هذه الأرض، كانت تمر في الحارة المرورية المخالفة ضاربة في تصرفها بقانون المرور عرض الحائط!

هذه المشاهدة السريعة جعلتني أستغرق في التفكير... ما السبب الذي جعل هؤلاء كلهم، على اختلافهم لا يتورعون عن كسر القانون هكذا جهارا نهارا؟ ما الرابط ووجه التشابه بينهم يا ترى؟! هل الأمر يعود لعدم قناعتهم بهذا القانون بالذات؟ أم أن العقوبة غير كافية ولا رادعة؟ أم أنهم أمنوا من العقوبة ووثقوا بأن لن يعاقبهم أحد؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك، وأنه يعود إلى أن مبادئ هيبة القانون واحترام نظام الدولة بأسرها صارت مهزوزة في نفوس المواطنين والمقيمين على حد سواء؟!

أنا ممن يعتنقون الرأي الأخير، وحتى إن كنت لا أستند إلا إلى مشاهدات عامة من هنا وهناك. ما يقوي هذه المشاهدات في نفسي أنها مشاهدات متكررة متواترة صارت ترقى إلى مستوى الدليل.

ما أشاهده وبكل وضوح هو أن هيبة القانون والأنظمة واللوائح تقلصت بشكل كبير، بل وما عاد تجاوزها مقصورا على فئة بعينها، بل تعداه وصولا حتى إلى الشرائح البسيطة من محدودي الدخل وأصحاب الوظائف البسيطة بل من غير الكويتيين ممن لا يحتملون قيمة المخالفة أو تهديد العقوبة على إقامتهم في البلاد في حال وقوعها.

احترام القانون ومراعاة اللوائح والنظم، هو جزء أساسي من مكونات المواطنة الحقة، بل لعله أهم الأجزاء. فالمواطنة لا يقتصر معناها على استيطان رقعة محددة من الأرض فحسب، إنما يتعداه إلى أسس أخرى كثيرة أهمها اتباع النظام الذي اتفق عليه مستوطنو هذه الرقعة من الأرض، وحين يستمرئ المواطنون والمقيمون على اختلاف مشاربهم الدوس على هذه اللوائح والنظم ويستسهلون كسرها فهذا يعني أن هناك خللا في مفهوم المواطنة وفي قيمة الوطن ومكانة الدولة لدى هؤلاء الناس!

هذا سيقودني حتما إلى التساؤل عن السبب الذي أوصل الكويت إلى هذه الحالة! كيف انحدرت هيبة الدولة وقوانينها في نفوسنا إلى هذا الحد، حتى استسهل كسرها حتى غير الكويتي ممن يفترض أن يخشى على وجوده وعمله؟! والسؤال الأكثر مرارة من ذلك، كيف وصلت الحال بنا نحن الكويتيين إلى أن صار لا يرف لنا جفن ولا نستشعر الحرقة على وطننا ونحن نرى حالته وقد صارت إلى هذا؟!

وكيف السبيل إلى الخروج من هذا التيه؟ أهو بيد الحكومة؟ أم البرلمان؟ أم بيدنا نحن؟!