داكار... نهاية المطاف الفلسطيني
هل هي مجرد مصادفة يا ترى أن تذهب حركتا «فتح» و«حماس» إلى غربي إفريقيا للبحث عن جوهرة رأب الصدع المفقودة في غربي إفريقيا، في العاصمة التي تنافس بيروت على صفة باريس الثانية في الذكرى الأولى لذلك الانقلاب الأسود الذي انبلج عنه أحد صباحات غزة الحزينة؟
بعد أن تنقل الفلسطينيون بحوارهم «الماراثوني» على مدى أكثر من ربع قرن بين معظم العواصم العربية ها هم يُنيخون جمالهم في داكار، عاصمة السنغال، في غربي إفريقيا، حيث هناك تراث ليوبولد سنغور وأشعاره، وحيث هناك جالية لبنانية يصل عددها إلى نحو خمسين ألفا وجالية فلسطينية لا يتعدى عددها عدد أصابع اليدين، أقامها رجل مغامر من عائلة «الليوس» ترك قريته «معلْيا» في الجليل وقصد الولايات المتحدة بحراً عن طريق الشواطئ الفرنسية لكن الأقدار قادته إلى هذه البلاد التي كانت في نهايات القرن التاسع قد دخلت «جنّة» الاستعمار الفرنسي.فشل الفلسطينيون، أو حركة «فتح» وحركة «حماس» على وجه الدقة، في رأب صدعهم بعد أن تنقلوا بين تونس والقاهرة وصنعاء وعمان ومكة المكرمة وبغداد ودمشق والجزائر، وها هم يذهبون إلى غربي إفريقيا وهم لا يحملون معهم إلا ذكريات ذلك الانقلاب الأسود الذي كاد أن يكون آخر الانقلابات العسكرية، لو لم يقم حسن نصرالله بانقلابه الأخير ضد بيروت الغربية.لم يستطع الأشقاء الفلسطينيون التحاور في وطنهم إلا بالرصاص، وخيبت «حماس» ظنون الذين راهنوا على أنها ستقود قوافل الزحف المقدس من البحر إلى النهر عندما حولتها شهوة الحكم والسلطة إلى حركة انقلابية لم يتردد مجاهدوها الأشاوس في أن يلقوا بأعدائهم من أبناء حركة «فتح» من فوق سطوح طوابق غزة الشاهقة، وفي أن يشحذوا سكاكينهم على رقاب شباب هؤلاء الأعداء، ولكن على طريقة «الذبح الحلال» كثّر الله خيرهم. هل هي مجرد مصادفة يا ترى أن تذهب حركتا «فتح» و«حماس» إلى غربي إفريقيا للبحث عن جوهرة رأب الصدع المفقودة في غربي إفريقيا في العاصمة التي تنافس بيروت على صفة باريس الثانية في الذكرى الأولى لذلك الانقلاب الأسود الذي انبلج عنه أحد صباحات غزة الحزينة، والذي بدّل الدولة المستقلة للفلسطينيين التي وعد بها بوش قبل نهاية هذا العام بدولة ثانية كئيبة ورديئة وبائسة ومشوهة وقبيحة وقميئة، إلى جانب دولة رام الله؟!لن يعود الذين ذهبوا إلى غربي إفريقيا للبحث عن دواء لدائهم المزمن بأي شيء، فالقلوب متورمة بالأحقاد، والأجندات ليست متعارضة فحسب، بل هي متصادمة وقبل أيام كان خالد مشعل قد أطل على العالم عبر شاشات الفضائيات ليردد بعد لقاء مع الولي الفقيه، تخلله تقبيل أيادٍ و«طبطبات» على الأكتاف، ما ردده الرئيس محمود أحمدي نجاد مراراً وتكراراً: إن ظهور المهدي المنتظر، قدّس الله سره، بات قريبا وإن إسرائيل قريبا زائلة.ما كان يجب أن تذهب حركة «فتح» إلى داكار بعد أن فشل الحوار الذي بقي مستمراً أكثر من ربع قرن، وتنقّل بين معظم العواصم العربية، وبعد أن ردت «حماس» على اتفاق مكة المكرمة بانقلاب غزة البائس الذي وضع بين أيدي الإسرائيليين الذين كانوا ينتظرونها للتملص من استحقاق الدولة المستقلة ولتبرير تهربهم من أي مفاوضات جدية مع محمود عباس والسلطة الوطنية بأنهم لا يمكن أن يتحاوروا مع دولتين: الأولى في غزة، والثانية في الضفة الغربية.اليوم، الثلاثاء، سيقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بعد التشاور مع أركان حكومته الأساسيين ما إذا كان سيقوم بما هدّد به مراراً وتكراراً وهو توجيه ضربة قاصمة الظهر إلى غزة... وهنا فإن التقديرات تشير إلى أن هناك مؤامرة عنوانها العود ة بالأمور إلى واقع ما كان عليه الوضع قبل حرب يونيو عام 1967، سواء بالنسبة إلى «القطاع» أو بالنسبة للضفة الغربية، فهل سيحدث هذا؟ على كل: لابدّ من داكار وإن طال السفر!* كاتب وسياسي أردني