أن تكون في العاصمة العمانية مسقط، وهي تحتضن القمة الخليجية في لحظة كتلك التي نعيشها الآن، حيث يسجل الزمان وقائع الهولوكوست الفلسطينية، وهي تمارس في أبشع صورها على أيدي الصهاينة، فأنت تعيش في قلب المفارقة التاريخية بلا شك.

Ad

فبقدر ما هي العاصمة العمانية وادعة وهادئة ووسطية ومعتدلة، وتنبذ كل أشكال التطرف والعنف والإرهاب في سلوك شعبها وقيادتها النبيهة والحكيمة، بقدر ما هم متوحشون وهمجيون وإرهابيون وأنموذج للخروج على الإنسانية أولئك الذين يحيون عملية المحرقة النازية المدّعاة من جديد، وهم يشريون أنخاب الدم الغزاوي الطاهر والبريء. فالكل هنا في ذهول، الداعون كما المدعوون، والكل هنا في حيرة من أمره، بين أن يتابع أعمال القمة التي أرادها أهلها أن تكون رسالة خليجية وعربية وإقليمية مسالمة إلى العالم، وأن يتابع مسلسل الإرهاب الصهيوني المدعوم والمغطى دوليا للأسف الشديد، وتحت الرعاية الأميركية مباشرة، في رسالة شديدة القساوة وبالغة الدلالة من جانب ما يسمى بالمجتمع الدولي إلى الخليجيين والعرب والمسلمين لم يعهدها تاريخ الرسائل المتبادلة بين الدول والأقاليم!

لقد سقطت كل قنوات الحوار وكل وسائل التحاور العقلانية في الوحل مع هذه الرسالة المتوحشة التي قرر الصهاينة أن يودّعوا بها العام الميلادي المنصرم، وأن يفتتحوا بها العام الميلادي الجديد!

فهم يذكروننا عمليا برسالة المحافظين الجدد المنصرفة ولايتهم، عندما قالوا لنا أثناء تسلم عهدهم في بداية القرن الحادي والعشرين إنها: الحرب الصليبية من جديد! ألا تتذكرون معي ما حصل وقتها؟ وكيف أنهم جاؤوا على حصان منظّر «صراع الحضارات» صموئيل هنتغتون الذي أخذ الله روحه في هذه الأيام؟ وكيف أنهم أشعلوا نار الفتن المتنقلة في أكثر من عاصمة في الدنيا، وجعلوا من بلادنا الإسلامية مسرحاً لحروبهم العبثية والهمجية وميداناً لتجربة أسلحتهم الحديثة؟!

ألا يجعلنا مثل هذا الأمر نشكك في قدرة الرئيس الأميركي الأسود باراك أوباما على تجاوز عهد بوش المنحوس؟ ألا يجعلنا مثل هذا الفعل المنحوس نشكك حتى في صدقية مشروع أوباما والدعوة الأميركية الصادرة منه إلى التغيير اللهم إلا إذا كان المقصود منها تغيير موازين القوى التي كانت تبدو أنها في طريقها إلى التحول لغير مصلحة الصهيونية والاستعمار والهيمنة والتسلط على الأمم والشعوب، وها هم اليوم يحاولون استرجاع كل ذلك بهذه الرسالة الدموية إلى العالمين العربي والإسلامي عبر بوابة غزة المظلومة؟

إنها حرب إبادة منظمة بلا شك ولا تردد، وهي رسالة متوحشة من جانب من يدّعون أنهم يريدون السلام والتطبيع الشامل مع العرب جميعا وأنهم يريدون الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات!

إن رسالة غزة الدموية هذه ينبغي أن تزيل الأوهام والغشاوة عن عيون وقلوب وأبصار أولئك الذين لايزالون، رغم كل ما حصل ويحصل، يعتقدون أنه لايزال هناك مساحة متاحة للحوار والتسوية والحلول السلمية مع مثل هذا الجسم السرطاني الخبيث الذي اسمه إسرائيل!

إنها الرسالة التي قطعت الشك باليقين أيها الإخوة الخليجيون والعرب والمسلمون، إن كان منكم من لايزال يعتقد أن هناك أملاً في مد جسور الحوار مع إسرائيل، فهؤلاء أكثر الناس حرصاً على حروب الإبادة الشاملة، وهم المثال النموذجي للنازية الجديدة، وصانعو المحرقة الجديدة بامتياز، وينبغي ألا يكون لنا معهم لغة غير لغة الحسم، ووضع النقاط على الحروف قبل فوات الأوان!

إنها لحظة تاريخية بالفعل من التقطها ربح ومن تخلف عنها خسر!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني