موقفنا من التاريخ / الحضارة الإسلامية يكاد يتكتل على حدي النقيض: فالبعض يقدس هذا التاريخ وينظر إلى الدولة/الإمبراطوية الإسلامية وكأنها «المدينة الفاضلة» حيث عاش المسلمون فيها عيشة الملائكة، وعلى النقيض تماماً نرى الكثير من أشباه المثقفين الذين يرفضون رفضا تماما أي إيجابية في التاريخ الإسلامي.
عندما يفشل المرء في التوفيق بين تصرفاته وأقواله أو في تحديد مبادئ واضحة في التعامل مع النفس ومع الآخر فذلك عادة ما يعود إلى عدة عوامل؛ أهمها عدم تشكل هوية واضحة للشخص تحدد القيم والمعتقدات التي تملي التصرفات و/أو عدم وجود ميزان أخلاقي واضح لدى الفرد يقيس من خلاله الصحيح والخطأ. في عالمنا العربي انفصام واضح بين القول والفعل، فنرى من يتظاهرون بالتدين والورع وهم أبعد ما يكونون عن الأخلاق والسمو الروحي، ومن يتشدق بالوطنية وهم بالنهاية عبيد لمصالحهم أو قبائلهم أو طوائفهم، ومن يدعون التحرر والليبرالية وهم أكثر الناس عنصرية وتطرفا... الجميع يشتكي من التخلف وتردي الأوضاع في حين يساهم الكل في هدر الموارد وكسر القانون.الهوية الشخصية والفكرية تحدد للإنسان من هو وما هو دوره في الحياة وما هي قيمه الأساسية، والواضح أننا كشعوب عربية عموما وكشعب كويتي بشكل خاص نعاني أزمة أو انفصاما في الهوية الشخصية والفكرية، وهذا قد يكون أحد أسباب التناقضات والمقاييس المزدوجة التي نمارسها و/أو نعانيها. وإذا عدنا إلى التعريف التقليدي للعوامل التي تشكل الهوية مثل الأصل المشترك والعرق والتراث واللغة والدين والثقافة نجد أن مشاعرنا ومواقفنا تجاه تلك العوامل متناقضة ومتضاربة ومبهمة في أحسن تقدير. كعرب يتداخل لدينا الدين واللغة والتراث ببعض في موقفنا من التاريخ «المشترك» والحضارة الإسلامية بشكل عام، ويتضح انفصام هويتنا من موقفنا من هذا التاريخ وتلك الحضارة.موقفنا من التاريخ/الحضارة الإسلامية يكاد يتكتل على حدي النقيض: فالبعض يقدس هذا التاريخ وينظر إلى الدولة/الإمبراطوية الإسلامية وكأنها «المدينة الفاضلة» حيث عاش المسلمون فيها عيشة الملائكة، فلا خوف ولا حسد ولا نفاق ولا فساد ولا مجون ولا إجرام بين المسلمين في «العصر الذهبي» للإسلام. وطبعا لا ينسى هؤلاء أن يتباهوا بدور الإسلام والمسلمين في إخراج أوروبا من ظلمات العصور الوسطى وأن يحملوا الغرب جميل العلوم الإسلامية التي لولاها لما وصلوا إلى ما هم عليه الآن من تطور وتكنولوجيا. وعلى النقيض تماماً نرى الكثير من أشباه المثقفين الذين يرفضون رفضا تماما أي إيجابية في التاريخ الإسلامي، ولا يرون في هذا التاريخ سوى العنصرية والكبت والعنف والحروب و«الحريم» والخمر، حتى العلماء الذين يحترمهم الغرب قبل الشرق يرجعون نبوغهم وإنجازاتهم إلى أصول غير عربية و/أو تأثير حضارات أخرى. بالنسبة لهؤلاء نحن نتاج حضارة همجية ومتخلفة ولا خير في ماضينا. فأي هوية ستتشكل لدى الطرفين؟ أحدهما يحلق في سماء الخيال وخداع الذات والآخر في وحل الخزي واحتقار الذات؟
مقالات
أزمة هوية أم أزمة أخلاق؟ (1)
09-01-2009