أول العمود: هل يعقل أن تمر شهور الصيف المملة من دون إقامة مسرحيـة، أو مهرجان شعري واحـد؟... هل نعيش في بلد مريض ثقافياً؟
***تحت عنوان «كتبت التقارير الخارجية تحت العين الحمـراء للدولة»، كانت مادة كتبها المحـرر السياسي في جريدة «النهار» في عددها الصادر بتاريخ 5/7/2008، عرض فيها -بحسب المحرر- وجهة نظـر «مسؤول حكومي» مستاء مما يكتب عن «بلدنا جميعاً» من تقارير دولية بشأن الشفافية ومكافحـة الفساد، وحقوق الإنسان والاتجار بالبشر والديمقراطية، وملخص رأي المسؤول الحكومي الذي نقل عنه المحرر السياسي، أن جزءاً من معلومات التقارير الدولية التي تُكتب عن الكويت تأتي باجتماع مسؤولين في تلـك المنظمات أو الهيئات مـع كويتيين ناشطين فـي مجالات حقوق الإنسان أو العمل السياسي أو الإعلامي، وأن هؤلاء الكويتيين يقومون بنقل صورة مبالغ فيهـا عن الأوضاع، تنعكس لاحقاً في التقارير التي تُكتب عـن الكويت!في الحقيقة، إن هذا القول مُرسل وغير مدعّم بأي أدلة، ونأسف بالقول إن هذا الكلام ينُمّ عـن قصر نظر وعـدم استيعاب للتطور الهائل فـي عالم الاتصال والتكنولوجيا الخاصة بـه، ونود في هذا المجال تلخيص بعض الملاحظات في نقاط ليس القصد منها الرد والمناكفة، بل من أجل إثراء النقاش في مسألة التقارير الدولية التي غالباً ما تشكّل مادة حساسة لدول العالم الثالث بشكل عام، وأتمنى دائماً أن يعقد بشأن هذا الموضـوع ندوات عامة أو حلقات نقاش تجمع الأطراف الرسمية والأهلية للوصول إلى صيغ تفاهم ولا نقول اتفاقاً بشأن مسألة كهذه:فأولاً: ليس هناك مبرر للجزع من أي تقريـر يصدر من أي جهة مهما كانت مصداقيتها أو عدم مصداقيتها في شأن الأحوال المحلية، فالأصل هو حال «الأحوال المحلية»، ومدى اتّساقها مـع مضمون دستـور الدولة والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها دولة الكويت، مـع الأخذ في الاعتبار ما تم التحفظ عليه من مواد في بعض تلك الاتفاقيات، فإن كانت هناك أخطاء يجمع عليها أغلبنا، فما المانع أن تُدوّن في تقارير دولية سواء أُخذت من تقارير صحافية محلية أو مـن خلال ناشطين في المجال الذي يبحث فيه التقرير، فالأصل في النهاية هو تصحيح هذه الأخطاء وليس البحث عن مصدر المعلومة، ومَن الذي زوّد بها المنظمـة الفلانية، وكأننا في وارد البحث عن جاسوس.وثانياً: هناك تقارير دولية صادرة عن لجان في الأمم المتحدة ومنها اللجنة الاقتصادية والاجتماعيـة، وتصدر بشكل دوري عن دول عديدة ومنهـا الكويت، وأثيرت فيها قضايا البدون والمرأة والأحوال الشخصية بأسلوب نقدي لاذع، ومعروف أن هذه اللجنة تتعامل مباشرة مـع حكومـة دولة الكويت من خلال ممثلهـا في الأمم المتحدة، ويُطلب من الحكومة الرد على هذه الاتهامات في جلسات عامة، بناء على المعلومات التي تستقيها اللجنة الاجتماعية والاقتصادية من أجهزة الدولة الرسمية، ويحدث ألا تكون تلك الردود مقنعة بالنسبة للمعايير المدرجة في اتفاقيات محددة، ويكون بعد ذلك النقد، فهل نقول هنا إن منظمة الامم المتحدة استقت معلوماتها من أفراد ناشطين؟ الإجابة لا بالطبع. بالمناسبة قـرأت شخصياً على موقع إلكتروني نصاً لتقرير شديد اللهجـة صـادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة يخص دولة الكويت، نوقش في عـام 2004 عن أوضـاع تخص البـدون والمرأة، وهذا التقرير يبحث مدى تطبيق الكويـت معايير العهـد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيـة، وليس لهذا التقرير أي صلـة بـ«جواسيس محليين»!ثالثاً: كثير من التقارير الدولية تتضمـن معلومات صحيحة وأخـرى خطأ، كتلـك التي تصـدر أحياناً مـن الخارجية الأميركية أو منظمات أهليـة شهيـرة، ويكتشف القارئ العادي وليـس أجهزة الحكومة مـدى المبالغة فيها بشكـل سريع ومن دون عنـاء، ويتبارى كتّـاب صحافيون في نقدهـا بشكل صحيح والشاهد في هـذا، أن الحكومة تستطيـع الرد بسهولـة ومن خلال لجانهـا المتخصصة في دحض هذه المعلومـات بشكل علمـي موثق بدلاً من الفوضـى الحاصلة في عـلاج هذا المـلف المهم عبر تصريحـات صحافية لمسؤولين «غير ملمّين بالموضوع في الغالب»، وتنسب لـ«صرح مصدر مسؤول»، فهـل يعقل أن تتهـم الكويت باختراق محدد المعـالم والوقائع بشأن بند من بنـود حقوق الإنسان ويتم الرد عليه باسم مسؤول حكومي مبهم!رابعاً: تستقبـل الكويت وفوداً عديـدة لمنظمات حقوقيـة وإعلامية وتنموية بشكـل عام، وتلتقـي هذه الوفود أثناء زيارتهـا بمسؤولين رسميين وناشطين أهليين، بعضهم أعضـاء في جمعيات مهنيـة كجمعيات حقـوق الإنسان أو الجمعيـات المهنية الأخرى، ويحـدث أحياناً أن تلتقي هذه الوفـود بناشطين مستقلين وأكاديميين يطلـب رأيهم في قضايا محـددة ويـدلون بها بكل حريـة -وهذا دليـل عافية وليس مرضاً- فما الضَير في ذلك؟ ولماذا تُثـار بشأنهم الشكوك بأنهـم يزودون الآخر بالمعلومـات؟ ولماذا يُحسب قبـول بعض الناشطين دعوات خارجية كالورش والنـدوات الخارجية كأنه نوع من العمل المحرّم والمشكوك فيه؟ عندما تقر دولة ما تأسيس جمعيات حقوقية أو أي جمعيات أخـرى فهـذا يعني إقامة علاقات مع منظمات شبيهة تبحث قضاياها المشتركة، وإلا سيكون الحل بعدم الترخيص لأي جمعية حقوقية حتـى نتّقي شر تسريب المعلومات!وأخيـراً، فما نتمنـاه ويتمناه كل مخلص لهذا البلـد أن تتـم مناقشة قضايانا بشفافيـة ووضـوح بعيداً عـن كيل الاتهامـات والتصنيفات التـي لم ينتج عنها سـوى مزيـد من التشنـج، وكمـا قلنـا في بداية الحديث إن حل مشاكلنا سينعكس إيجاباً على التقارير الدوليـة، وأن نقـدم حلولاً فعالـة لقضايا البـدون والعمالة والقضاء على الفساد وغيرهـا من المشاكل، أفضل من الهجوم على التقارير ومـن كتبها ومن زوّد كتّابها بالمعلومات من الكويتيين.
مقالات
إغلاق جمعيات حقوق الإنسان
09-07-2008