Ad

يُستخدم مفهوم الإصلاح في بعض الأحيان للدفاع عن بعض السياسيين، خصوصا في السلطة التنفيذية وعند اتخاذ بعض القرارات الكبيرة التي من شأنها التأثير في الواقع العام. وبشكل عام تحول إطلاق كلمة إصلاح إلى مجرد عرف وترديد دونما وعي حقيقي أو إدراك لمعنى هذه الحكمة.

تزخر أدبيات النظم السياسية بمفاهيم ومصطلحات بعضها يعكس ثوابت نمطية عابرة للثقافات السياسية واختلافاتها مثل مفهوم اليسار واليمين والأحزاب وجماعات الضغط، ومثل هذه المصطلحات عادة ما يكون لها المعنى نفسه والمدلول السياسي.

وهناك مفاهيم سياسية تعبر عن الأوضاع والمعطيات في حقبة زمنية، وقد تعكس إسقاطات محددة ذات طابع سياسي متحرك أو إشارات إلى تشخيص الواقع من وجهة نظر مقصودة سياسياً، ولعل من أهم هذه المصطلحات ما يعرف بالإصلاح.

فالإصلاح، وخصوصا في المنظور السياسي، تعبير رمزي عن حقبة سابقة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها غير مرضي عنها وقد تتسع دائرة وصفها إلى حد الفساد بأشكاله المتعددة، فيُستعان بمفهوم الإصلاح وتطبيقاته وسياساته لتعديل ذلك الوضع الخاطئ وتدشين نموذج أفضل معيارياً وموضوعياً.

ولكن مصاديق هذا المصطلح في الثقافة السياسية الكويتية تحتاج إلى مراجعة دقيقة ومعايير نتفق عليها لتتحول إلى مرجعية نمطية تكون الاجتهادات الخلافية بشأنها في الحدود الدنيا على الأقل.

ومفهوم الإصلاح، رغم رواجه في أدبياتنا الإعلامية ومنتدياتنا السياسية أخيراً، لم يسلم من العبث والتحريف وأحياناً التضليل والاستغلال كغطاء لتبرير بعض المواقف والسياسات العملية. وفي حالات أخرى يُستخدم مفهوم الإصلاح للدفاع عن بعض السياسيين، خصوصا في السلطة التنفيذية وعند اتخاذ بعض القرارات الكبيرة التي من شأنها التأثير في الواقع العام. وبشكل عام تحول إطلاق كلمة إصلاح إلى مجرد عرف وترديد دونما وعي حقيقي أو إدراك لمعنى هذه الحكمة.

فالإشادة بمسؤول على مستوى القرار بأنه إصلاحي يعني بلا شك أن العهد الذي سبقه قد شهد إخفاقات معلولة وبفعل فاعل، الأمر الذي يستدعي تفعيل المحاسبة والعقاب، ومفهوم الإصلاح في هذا المقام يجب أن يوازي في حجمه ونوعه مفهوم الفساد، ولكن ما نراه يحدث في الغالب الأعم تحت ستار الإصلاح هو إلغاء بعض القرارات السابقة وإزاحة بعض القياديين من مناصبهم في علاج وقتي سرعان ما تدور بنا عجلة الزمن لنشهد واقعاً جديداً بالمنطق نفسه والإجراءات ذاتها تحت مسمى الإصلاح أيضاً.

والمفارقة الأخرى في الثقافة الكويتية حول مصطلح الإصلاح تكمن في انتقائية تحميل هذا اللقب لأشخاص معينين في منظومة واحدة يفترض أن تكون متجانسة، كما هي الحال في التشكيلة الحكومية. فمنذ أمد قصير جرى العرف بأن يطلق على بعض الوزراء بوزراء إصلاح من دون غيرهم من الزملاء الذين يتحملون مسؤولية موحدة ومشتركة في الحكومة نفسها، ووفق هذا التقسيم يكون السؤال: ماذا نطلق على الوزراء الآخرين؟

أما المعضلة السياسية الكبرى نجدها متمثلة في مرحلة ما بعد أي تشكيل جديد للحكومة، حيث تضيع بوصلة مفهوم الإصلاح تماماً، ولتقريب هذا المعنى فلنرجع بالذاكرة إلى وزارتين سابقتين لا أكثر وفي ظل رئيس الحكومة نفسه، حيث كان ينعت بعض الوزراء- دون غيرهم- بالإصلاحيين، وكان مَن ينتقدهم يُتهم بأنه ضد الإصلاح، وإذا بزملائهم الوزراء الذين حملوا حقائبهم لاحقاً ينبشون في سجلات الماضي ويلغون ويبدلون باسم الإصلاح أيضاً، ومن المؤكد أنه عندما نستعيد الذاكرة في المستقبل في تشخيص ما نراه اليوم سوف نرى التغييرات التي من شأنها أن تعصف بما ندافع عنها اليوم باسم الإصلاح أيضاً!

وحتى يكون فهمنا لمعنى وخطوات وآليات الإصلاح دقيقاً ومنصفاً يجب أولاَ تعيين معايير ثابتة وموضوعية لمفهوم الإصلاح والغرض منه لتكون مرجعية نمطية في أدبياتنا السياسية، ويجب كذلك الإعلان عن مظاهر الفساد وأسبابه ومرتكبيه للرأي العام لبسط شرعية التحرك باتجاه الإصلاح وتفعيل مبدأ الحساب والعقاب حتى لا يُغَني كل منا على الإصلاح على إيقاع لحنه الخاص، وباختصار يجب أولاً إصلاح مفهوم الإصلاح!