النقابات والاتحادات العمالية والطلابية والمهنية هي عصب المجتمع المدني النابض بالحيوية والنشاط، وعادة ما تكون هذه المؤسسات متفرغة للدفاع عن حقوق منتسبيها ومطالبهم إضافة إلى تمتعها بقواعد جماهيرية عريضة وسمعة دولية تكسبها التأييد والتعاطف، والأهم من ذلك أنها تمتلك أدوات ضغط مهمة وفعالة تصل إلى حد التهديد بالإضرابات وتنفيذها بشكل قد يشل القطاعات التي تعمل فيها.

Ad

والعدو اللدود للنقابات والاتحادات هم أرباب العمل وفي مثل حالة الكويت الحكومات التي تمثل رب العمل بسبب هيمنة الدولة على القطاع العام برمته، حيث تكون هذه النقابات مصدر إزعاج دائم لها، وخير مثال على ذلك التحرك الأخير لنقابة العاملين بشركة البترول الوطنية الذي أثبت من جديد العقلية الجامدة في آلية عمل الحكومة وسوء إدارتها للأزمات، والأسوأ من ذلك النفس البوليسي الذي بدأ بالفعل يسيطر على فلسفة اتخاذ القرار.

فاعتقال أعضاء النقابة بعد مداهمة المكان الآمن الذي كانوا يتفاوضون فيه مع مسؤولي الشركة يعتبر سلوكاً غير حضاري في مجتمع مدني تحكمه الديمقراطية ويقنن دستوره الحريات العامة ومنها تشكيل النقابات والاتحادات، ونفي السلطات لتلك الواقعة الذي أصبح أسطوانة مشروخة لا يصدقها أحد، جعل منها القشة التي قصمت ظهر البعير واضطرت بسببها إدارة الشركة ومن خلفهم وزير النفط إلى الرضوخ لمطالب النقابة.

وهذه ليست الحالة الأولى التي تلجأ فيها أجهزة الدولة إلى التصرف الأمني وتغليب الحس العسكري على مبدأ الحوار والتفاوض، فخلال السنتين الأخيرتين بدأ هذا المؤشر في الظهور بجلاء بدءاً بحصار مجلس الأمة بواسطة القوات الخاصة إبان قضية الدوائر الانتخابية، ثم التعامل مع أحداث الانتخابات الفرعية بالقوة المفرطة، ومحاولة إخضاع مراسلات جمعيات النفع العام لرقابة وزارة الشؤون، والسعي إلى تقييد الصحافة، والتحريض على حل مجلس الأمة بشكل غير دستوري.

هذه العقلية يجب أن تتغير خصوصا أنه قد مر وقت طويل على ضرورة أن تعي الحكومة أن الحركة الشعبية لا يمكن مواجهتها بالقوة أو تجاهل مطالبها، وأن تحركا مثل التحرك النقابي لعمال النفط يمكن أن يتكرر مع النقابات النفطية الأخرى أو جمعيات النفع العام الكثيرة والمتنوعة وبمطالبات جديدة، خصوصا في ظل تردي الأوضاع العامة ومستوى الخدمات، وهذا ما يتطلب من الحكومة أن تتمتع في المقابل بالقدرة على التكيف مع مثل هذه المطالب لتكون على مستوى من التطور ومواكبة مستجدات الحياة وتشخيص متطلبات الميدان- أياً كان هذا الميدان في القطاع النفطي أو الفني أو الصحي أو التعليمي أو غيرها- من أهل الميدان أنفسهم، خصوصاً أن كثيرا من القيادات المهيمنة على هذه القطاعات إما أنهم غير قادرين على استيعاب هموم وشجون الجنود المجهولين وإما أنهم وصلوا إلى تلك المناصب أصلاً بموجب صفقات لمواجهة تلك المطالبات، ولهذا فقد يكونون أحياناً السبب الرئيسي للتأزيم والتصعيد من خلال نقل صورة خاطئة ومحرّضة عن موظفيهم لدى المراجع العليا في الدولة!

وفي حادثة نقابة البترول... فإن العجب كل العجب من موقف الأخ الفاضل وزير النفط نفسه لأنه خدم في القطاع النفطي لمدة طويلة تكفيه لفهم مطالب النقابات وظروف العمل في هذا المجال، وكان هو الشخص المناسب لإقناع مسؤوليه بمطالب زملائه لاتخاذ القرار السليم بدلاً من التجاهل المستمر الذي بلغ حد المواجهة التي أرغمته في نهاية المطاف بالقبول بها، ولعل هذا دليل إضافي على أن النموذج التكنوقراطي الذي ينادي به بعضهم في تشكيل الحكومة ويعتبره أحد أسرار نجاحها واستقرارها لا يعتبر كافياً مالم تستند التكنوقراطية على مقومات العدالة وتؤمن بالدستور وتستشعر هموم الناس ومشاكلهم وتوقن بأن النقابات والاتحادات هي التي تنتصر أخيراً، فما ضاع حق وراءه مطالب!