متابعة المواطن العربي للانتخابات الأميركية تخفي في ثناياها حرقة افتقاده الحرية والديمقراطية والتنافس الشريف على السلطة بقنوات دستورية، وليس بآليات وأسلحة... ومن الأعراض المرضيّة لهذه المتابعة تعلقه بتغيير يأتيه مجانا من «أوباما» ليخلصه من اليأس.أول العمود: الحديث المتكرر عن سحب وإعطاء، ثم سحب الجنسية يخدش سيادة الدولة، والجنسية أحد رموز السيادة.
***
علاقة العالم العربي بالانتخابات الأميركية الأخيرة، وهي تاريخية، يحكمها رابطان: الأول نفسي، جعل المواطن العربي يتابع بشغف مجريات الانتخابات وهو على يقين بفوز أوباما، لأنه رئيس جديد بكل المقاييس، ويتحسر وهو يشاهد قمة الديمقراطية في مجتمع بدا وكأنه عازم على إزاحة العنصرية تجاه لون «أوباما» وجنس «بالين».
أما الرابط الثاني، فهو تعلق الشعب العربي بأي شخصية جديدة تتسيد الحكم سواء في أميركا أو في إسرائيل، فتصبح هناك آراء وانقسامات، فريق يؤيد هذا المرشح وفريق يؤيد منافسه، وهم بذلك يطلبون التغيير الذي سينعكس -كما يظنون على- أحوالهم التعيسة التي يتسبب فيها حكامهم.
«أوباما» لن يكون «أسود»، فهو أميركي مطلوب منه تحقيق القيم الأميركية التي افتقدها الشعب الأميركي طوال فترة حكم بوش الابن، وهو لم ينطق في حملته الانتخابية بأي إشارات عنصرية لكسب الأصوات رغم معاناة السود في المجتمع الأميركي «يشكلون كمثال ستة أضعاف السجناء البيض الأميركيين»، لكن عاطفة الشعوب كانت هي التي تنضح عنصرية، ومالت إلى المرشح الجديد في أشياء كثيرة: التفكير ولون البشرة والسن والخطاب.
العرب هائمون في هذا العالم المتغير، نائمون في العسل، يريدون المن والسلوى على طبق أميركي، وهذا هو الوهم، فالتغيير يجب أن ينطلق من المنطقة العربية نفسها بالاحتكام إلى شرعة حقوق الإنسان والديمقراطية وإعلاء شأن الإنسان في بلداننا العربية وتقدير الثروات الطبيعية الهائلة التي لا تتوافر لأي من شعوب العالم الأخرى.
العالم العربي اليوم من يمينه إلى يساره ومن شماله إلى جنوبه يئن في العراق وسورية ولبنان والسودان والجزائر... حروباً وفقراً لا يبدو لهما نهاية، فكيف بدولة كالولايات المتحدة الأميركية أن تضع يدها بأيادٍ مريضة متسخة؟ وكيف ستحترم إسرائيل الدول المحيطة بها وهي تحيك المؤامرات لبعضها بعضا في مسارح لبنان والعراق؟!
«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»! ولندع أوباما في حاله.