البطل المغوار... سبب الانكسار!
كلما اشتدت الأزمات، وتوالت الهزائم والانتكاسات، عاد الحديث بين جماهير الأمة العربية عن البطل القومي الأسطوري، الذي سيظهر يوماً ما، ليفعل العجائب بالأعداء، فينقذ هذه الأمة من ذلها وهوانها، ويستعيد لها مجدها وماضيها التليد!ثم بعيداً عن الواقع المرير، يغوص العقل العربي بمرارة في بحر ذكرياته، مجتراً من تاريخ أمته العظيم، ما يعطيه الأمل بإمكان تحقيق النصر على الأعداء في المستقبل القريب، فأمته العريقة، وعبر تاريخها الطويل، كانت دائما «ولادة» للأبطال الأشاوس المغاوير، الذين خلدهم التاريخ في أنصع صفحاته!
العقل العربي اليوم، من فرط خيبته ويأسه، تحول إلى جدار مليء بصور الأبطال القوميين، على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم، واختلاف شخصياتهم وصفاتهم، بل تناقضها في كثير من الأحيان، فلا عجب إن رأينا صورة على هذا الجدار لشجاع ورأينا أخرى لجعجاع، وصورة لبطل منتصر وأخرى لمهزوم، أو شاهدنا وجها لبطل صنع التاريخ وآخر صنعه التاريخ، لكنهم، كلهم، حسب مقاييس العقل العربي، ورغم أنف الجميع، أبطال منتصرون!وهم منتصرون، لأن كثيراً منهم قد «انتصر لهم» المنافقون ومزورو التاريخ في وسائل الإعلام العربية، ولذلك، وضعهم العقل العربي في خانة الأبطال، مقتنعا تمام الاقتناع بأنه لولا المؤامرات التي حاكتها قوى الاستكبار العالمي، إضافة إلى دسائس العملاء والخونة من بني أمته، لانتصر أبطاله على الأعداء ميدانياً، كما انتصروا في صمودهم الخطابي!صور الأبطال كثيرة في العقل العربي، والأسماء عديدة لا حصر لها، بدءاً من خالد بن الوليد، مروراً بصلاح الدين، وصولاً لعبدالناصر، انحداراً لصدام حسين، انتقالا لحسن نصرالله، وصولا لـ«بن لادن»، ثم انحطاطا بمنتظر الزيدي «صاحب القندرة»! العقل العربي للأسف، لا يدرك حتى الآن، أن زمن السيوف و«القنادر» والخطب الحماسية والمواجهة وجهاً لوجه قد انتهى، وأن هذا الزمن، زمن العلم والمعرفة والتقنيات الحديثة، ومن يتملكها هو المنتصر وبكل سهولة، مهما علا صراخ وتهديد وتوعد الخصوم المتخلفين الشجعان الأشاوس!إنه زمن الكلام القليل والفعل الكثير، زمن التكنولوجيا، زمن القتل بالليزر عن بعد، فما عاد الشجاع المقدام الذي لا يخشى مواجهة العدو هو الذي ينتصر، فأجبن الجبناء اليوم يستطيع هزيمته إن كان سلاحه أكثر تطوراً!لقد استعمرنا فيما مضى الأوروبيون، واستولوا على خيراتنا وثرواتنا، ليس لأنهم أكثر شجاعة وإقداماً، بل لأنهم أكثر علما وثقافة وذكاءً، فهذا زمن العلماء والأذكياء والعقلاء، ولا مكان فيه للجهلاء، مهما بلغوا من الشجاعة، وعلا ضجيجهم بين الأمم، وكثر وعيدهم، فلا أحد سيخشاهم، لأنهم يدركون أنهم متخلفون، والمتخلفون مهما بلغ عددهم، سيبقون كالقطيع الذي يهجم عليه أسد واحد، فيشتت جمعه ويكبده الخسائر!نحن، كأمة عربية، بحاجة ماسة اليوم قبل الغد، إلى تغيير مفهومنا القديم عن البطولة، فالأبطال الحقيقيون في هذا الزمن، هو من يبنون أوطانهم بالحرية، والديمقراطية، والعلم، والثقافة، والتفكير الحر، لا الذين يدمرونه بالقمع والدكتاتورية وكتم الحريات واستعباد الشعوب!الأبطال الحقيقون هم الذين يفهمون معنى السياسة قولا وعملا، فيجنبون أوطانهم الحروب، ويسعون إلى بناء علاقات جيدة ومثمرة مع الآخرين، لا الذين يسعون إلى الحروب والأزمات التي تجلب الفقر والمصائب والانتكاسات، هؤلاء ليسوا أبطالاً قوميين، هؤلاء كوارث تمشي على قدمين!فهل سيأتي يوم قريب على العقل العربي يدرك فيه الحقيقة، فيريح نفسه من أوهام وخيالات البطولات الزائفة، ويسعى إلى التنافس مع باقي الأمم فيما تتنافس فيه، تاركاً عنه العنتريات الفارغة وأبطالها المغاوير الذين لم يُجنَ من وراء بطولاتهم سوى الهزيمة والانكسار؟!