ديمقراطية هالأيام !
![د. حسن عبدالله جوهر](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1499151557547559900/1499151557000/1280x960.jpg)
وساهمت تلك القوى الجديدة إما بشكل مباشر وبشراكة حقيقية وإما بشكل غير مباشر من خلال السكوت وغض الطرف بفرض واقع سياسي من بين أهدافه إضعاف الدستور وتقليل هيبته أو من خلال التلاعب بالديمقراطية عن طريق إعادة رسم الدوائر الانتخابية للمستقبل بحيث تقنن الفئوية والقبلية والطائفية، ولتكون العودة للديمقراطية مكرسة للاهتمامات الضيقة بشؤون المواطنين كل حسب طبقته الاجتماعية وانتمائه القبلي والمذهبي وإثقال كاهل النواب بما يعرف بالخدمات العامة على حساب الأطروحات الوطنية العامة. وبالنتيجة انتقلت عدوى الموالاة بدل المعارضة إلى العديد من القوى والتيارات السياسية بل حتى الأفراد، فما عادت مفاهيم المعارضة والدفاع عن المقومات الدستورية والحريات العامة شعارات قابلة للترجمة العملية على أرض الواقع في مقابل جاذبية الإغراءات الحكومية وسهولة تحقيق الأهداف من خلالها لسببين: الأول، تعاظم حجم المغريات وتحول الحديث من الملايين إلى المليارات. والثاني، سهولة الاستفادة من المنصب الحكومي في إرضاء القواعد الضيقة، خصوصا في المناصب ذات المزايا والنفوذ.وأصبح حتى الأكفاء من الشخصيات التي تدخل الحكومة تجد نفسها بسبب الضغط الحزبي مرغمة، أو وسيلة، لتنفيذ بعض اجتهاداتها بما تحمل من فكر ورؤى وبحسب الظروف، وفقدت بذلك أهمية المشاركة في السلطة من خلال شروط مسبقة كما هو الحال في معظم النظم الدستورية وعدم قدرة وزراء المعارضة على فرض برامجهم السياسية، بل وقد يضطرون حتى إلى التخلي عن بعض أفكارهم ومبادئهم الأساسية وتبرير أخطاء الحكومة مجتمعة.وهذا ما أدى في نهاية المطاف ومع مرور الوقت إلى إضعاف المعارضة كطرح سياسي ناضج ووعاء لفكر تنموي متكامل وامتداد جماهيري منظم، وفقدانها حتى للمصداقية عند تخلي الحكومة عنها وطعن البقية بها للتكسب الشعبي، خصوصا في مواسم الانتخابات.وإذا كان هذا بالنسبة للقوى السياسية العريقة فما بال الأفراد والتجمعات الصغيرة التي لا تملك أي مقومات إعلامية أو قدرات مالية لتنافس الوضع، ولهذا فإن أفضل طرق مجاراة لهذا الواقع السياسي هو من خلال مخاطبة الجمهور ولو بالعاطفة والأطروحات الشعبية. ولهذا أيضاً فإن الديمقراطية لم يبق لها سوى القشر الخارجي الذي يبين الكثير من الآراء والأطروحات والفضاء الحر للتعبير عنها بكل الصور من دون جوهر داخلي يعيد للمجتمع توازنه السياسي ومصداقية الممارسة الديمقراطية عملياً. وفي رأيي، فإن هذا الواقع سوف يستمر حتى تبرز معطيات جديدة وقوى وطنية مشتركة قادرة على لم هذا الشتات والتشرذم، وهذا لن يتحقق إلا في ظل جهود شبابية بيضاء السريرة ومتفائلة بالمستقبل وواثقة من نفسها وثقة الشعب فيها.