طرح مراقبون ومحللون سياسيون تساؤلات كثيرة إثر زيارة مقتدى الصدر المفاجئة إلى تركيا قبل الانتخابات العامة المقبلة، فبعضهم أشار إلى أنه ينشد التلميع الإعلامي، وآخر شدد على أنه يعمل من أجل إيجاد صورة جديدة لتياره «الصدري» مغايرة تماما لتلك الصورة التي احترقت بسبب ما قامت به عناصر ميليشيا جيش المهدي التابعة له مباشرة من أعمال شرسة ضد المدنيين العزل وبعض الرموز السياسية والدينية، حتى وصلت إلى المرجع الديني الأعلى في العراق علي السيستاني، وثالث لفت إلى أن مقتدى ما هو إلا دمية بيد حكومة طهران تلعب بها كيفما تشاء.

Ad

لا أحد يستطيع أن ينكر أن مقتدى الصدر صناعة إيرانية خالصة تريد أن تعيده من جديد إلى الساحة العراقية، ولكن بصورة مختلفة عما سبق، فمن يعرف شخصيته جيداً يدرك تماما أن زيارته في هذا التوقيت إلى تركيا لم تكن من صنعه أو فكره أبداً، كونه لا يملك حنكة القائد أو السياسي المقتدر، فهو شخصية عادية وبسيطة سطحية التفكير، بدليل أن خطاباته جميعها، التي يطلق عليها جزافاً «سياسية» تفتقر إلى الحجة أو القدرة على الارتقاء إلى لغة القائد السياسي المحنك، فضلا عن أن برنامجه السياسي لا يتعدى «الاحتلال الأميركي، وخروجه من العراق».

فمازال الخطاب الصدري يطالب بانسحاب الاحتلال ومغادرته من البلاد حتى بعد أن وقّعت الولايات المتحدة الأميركية اتفاقية الانسحاب مع العراق، ولذلك فإن كل من آمن بفكر الصدر وسار خلفه هم من الطبقة البسيطة المسحوقة الأمية العاطلة عن العمل، أما قياداته فعلى الرغم من أنهم من حملة الشهادات العليا فإنهم من الطبقة المسحوقة التي تشعر بهامشيتها في المجتمع.

إذن، فمقتدى لا يملك بمفرده مفاتيح اللعبة السياسية التي تهيئه لأن يصل إلى تركيا ويستقبله رئيسها ورئيس وزرائها، وإيران هي الوحيدة القادرة على تسويقه وتلميعه من جديد عن طريق تركيا، خصوصا أن تركيا اليوم تلعب دورا بارزا في العالم العربي وفي محيطها الإقليمي.

فاستقبال أنقرة الصدر جاء بناء على طلب من طهران مقابل مصالح معينة تربط البلدين، لمَ لا وإيران تريد أن تجعل من مقتدى رجلها الذي يدين لها بالولاء الكبير في العراق، لاسيما بعد غياب عبدالعزيز الحكيم عن الساحة السياسية لمرضه واعتلاله، وعدم قدرة ابنه سياسيا ودينيا على أن يحل محل والده، إضافة الى أن ورقة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي يرأسه عبدالعزيز الحكيم احترقت في الانتخابات المحلية الأخيرة التي يمكن أن نحكم عليها بالفشل، إذا ما استمر الخط البياني للمجلس الأعلى بالهبوط؟

لذا... فلا بد لإيران من صنع رجل بديل لها في العراق كي يحجز مقعدا في البرلمان وفي الوزارة المقبلة، ولم تجد أمامها سوى مقتدى الصدر كي تصنع منه نسخة مشابهة لحسن نصرالله في لبنان، ومن ثم تملي عليه أوامرها وقراراتها، وتمده بعدها بالعدة والعتاد كي يعيد بناء ميليشيا جيش المهدي من جديد، وتبدأ عملها على الأرض كما كانت في السابق.

لم تمس ميليشيا الصدر الاميركيين بل صبت جام غضبها على طوائف أخرى، وعملت على تهجيرها من مناطقها إلى مناطق أخرى، وكذلك قامت بقتل النساء في عدد من المدن العراقية المتنفذة فيها كمدينة البصرة، التي بدأت منها شرارة الاقتتال الطائفي الذي أنهاه رئيس الوزراء نوري المالكي بعمليات عسكرية أمنية منها: صولة الفرسان، وذات الربيعين، وبشائر الخير وغيرها.

ليس من مصلحة إيران أن يستقر العراق ويهدأ، فهي تريده أن يدخل في حرب طائفية مستعرة، كي تستفيد من خيراته من خلال السيطرة على النفط خصوصا بعد خروج القوات الأميركية منه.

* كاتبة عراقية

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء