أدب الحوار بالكويت ومطار المستقبل في دبي
خبران مهمان نشرتهما صحف الكويت الصادرة يوم الجمعة 12 يونيو؛ أحدهما عن «ابتكار» كويتي جديد، ارتقى إلى مصاف «البدع»، في شأن تخصيص جلسة برلمانية لمناقشة «أدب الحوار» و«ضوابط الحديث»، بعد «التجاوزات» و«الانتهاكات» المتكررة من قبل بعض النواب الموقرين، والتي حولت البرلمان أحياناً «ساحة للتشاحن والتلاسن» على حساب المصالح الوطنية ومعها القيم.الخبر الثاني يتعلق بإمارة دبي، التي لا تمتلك برلماناً كذلك الذي يملأ الدنيا ويشغل الناس في الكويت، لكنها تمتلك إرادة تقدم، وعزم بناء، وروح تحدي، وثقافة إنجاز جديرة بكل احترام. ويكشف الخبر عن اعتزام تلك الإمارة بناء أكبر مطار في العالم، على مساحة تساوي 19200 ملعب كرة قدم، أو ما يعادل مساحة مطاري هيثرو البريطاني وشيكاغو الأميركي مجتمعين.
وفي تفاصيل الخبر أن حجم المطار المزمع انشاؤه وطاقته الاستيعابية تسمح له باستقبال 120 مليون راكب سنوياً، وأنه بذلك سيكون «مطار المستقبل»، الذي يتسم بأقل الإجراءات بيروقراطية وأكثرها فاعلية في آن.والواقع أن المرء يجد صعوبة كبيرة في إقناع نفسه بجدوى الديمقراطية الكويتية وفاعليتها في مواجهة مشكلات البلاد والتخطيط لمستقبلها، كما يجد صعوبة أكبر في فهم الأوضاع التي وصلت بمشروع «مطار المستقبل» إلى دبي، المحرومة من «البرلمان» و«الديوانية»، قبل أن يصل الكويت صاحبة المركز التاريخي والحضاري الرائد في المنطقة.لكن تلك الصعوبة تتضاءل حقاً أمام أي تقييم واسع الأفق، عليم بإنجازات الأنداد والمنافسين، لمطار الكويت نفسه، والكثير من مرافقها المهمة، وخدماتها الحيوية، في مقابل ما يملكه الجيران، وبالقياس إلى خيرات البلاد المادية السخية، وثرواتها البشرية المتجسدة في عقول أبنائها، التي هي بين الأنبه، باعتراف العدو قبل الصديق، وبنيتها الحضارية التي حظيت دوماً بالسبق والأصالة والرسوخ في آن.وفي الوقت الذي يبحث فيه ممثلو الشعب الكويتي إمكانية استبدال وقوف النواب باستخدام «المطرقة» في إدارة جلسات البرلمان، استرشاداً بما يحدث في مجلس العموم البريطاني، وتجنباً لدقات المطرقة الحادة والمؤلمة للأسماع والأفئدة، كان المنجزون في دبي يخططون ويهندسون لبناء مطار يفوق حجم مطاري هيثرو وشيكاغو مجتمعين. ورغم ما يبدو من ابتعاد بين الخبرين وفرقة من الوهلة الأولى، فإن ثمة أوجه شبه واضحة بينهما؛ أهمها أن كليهما يتعلق بدولة من دول الخليج العربية، وأنهما نُشرا في معظم وسائل الإعلام الكويتية، وأنهما حظيا باهتمام الجمهور الكويتي ومتابعته، وأنهما يتعلقان بتشخيص كل من الكويت ودبي لأولوياتهما، وما يستحق أن تحشد له الموارد والأفكار والحبر والورق لمناقشته والإعلان عن فحواه وتطوراته وتفصيلاته.أما أوجه الاختلاف بين الخبرين فقليلة؛ ومنها أن خبر «مطار المستقبل» في دبي نشر في عدد كبير جداً من وسائل الإعلام عبر العالم، في صفحات الاقتصاد أو الأعمال، وفي أبواب الإنجاز، أما خبر «أدب الحوار» فلم ينشر سوى بوسائل الإعلام الكويتية، باعتباره إبداعاً وطنياً خالصاً يعز على الغرباء فهمه أو استيعابه.الفارق الثاني أن خبر «مطار المستقبل» تم تصنيفه في أوعية المعلومات بوسائل الإعلام الكبرى تحت عنوان «الإمارات/ دبي/ اقتصاد/ أضخم مطار»، وبذلك التصنيف يصطف الخبر بجوار مئات، وربما آلاف، الأخبار التي تنتمي للتصنيف ذاته؛ ومنها، بلا شك، أخبار عن أكبر ميناء بالمنطقة، وأعلى ناطحة سحاب، وأكبر جزيرة اصطناعية، وأضخم عمليات إعادة تصدير، وأكبر ورشة بناء، وأفضل عروض ترفيه، وأوسع طاقة فندقية، وأضخم حركة سياحة، وأضخم أي شيء آخر يمكن أن تتخيله.أما خبر «أدب الحوار» فتم تصنيفه في أوعية المعلومات نفسها تحت عنوان: «الكويت/ سياسة/ برلمان/ أزمات»، وبذلك التصنيف يلحق الخبر بمئات، وربما آلاف، الأخبار التي تنتمي إلى التصنيف ذاته؛ ومنها، انتخابات «الفرعيات»، وحل المجلس حلاً غير دستوري، وشراء الأصوات في العملية الانتخابية، و«التأزيم» بين النواب والحكومة، واكتساح السلفيين والقبليين للمقاعد البرلمانية، وتعثر تشكيل الحكومة، وانسحاب نواب اعتراضاً على «سفور» وزيرتين، وأزمات سياسية بين البرلمان والحكومة، وأي أزمات أخرى يمكن أن تتخيلها.عامل أخير يجمع الخبرين لم يكن ملتفتاً إليه؛ فكلاهما يُشعر المواطن العربي بالرضا عن حاله ويعززان الأمل لديه؛ إذ إن الديمقراطية التي يعيش محروماً من «نعيمها» في معظم الدول العربية ليست سوى تشاحن وتلاسن يحتاجان «أدباً وضبطاً»، أما الإنجاز الذي يحلم به فمتاح وممكن من دون انتخابات وبرلمان... ووجع قلب.* كاتب مصري