أوباما وأدغال الشرق الأوسط

نشر في 28-01-2009
آخر تحديث 28-01-2009 | 00:00
 علـي بلوط إذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه كما يقولون، فإن رسالة أوباما إلى الشرق الأوسط تحمل عدة عناوين غامضة في تناقضها، وأضافت حيرة على حيرة، وغموضا على غموض، بشكل دفع المنطقة إلى مزيد من الفوضى السياسية غير المسيطر عليها، لا أميركياً ولا أوروبياً ولا إسرائيلياً وبالتحديد عربياً. إن الوضع الحالي أشبه بمن يدخل باب مغارة مظلمة تتقاذفه حيطان هذه المغارة الصخرية، يتلمس طريقه كالأعمى، في محاولة للعثور على مخرج، وقد لا يكون هناك في النهاية من مخرج.

* * *

إلى الذين مازالوا يحتفلون ويهتفون لوصول باراك حسين أوباما إلى البيت الأبيض نقول: تمهلوا يا إخوان، فالحقائق الموضوعية حول «سياسته الجديدة» في الشرق الأوسط قد بدأت عناوينها تطفو على السطح، وما ظهر منها لا يبشر بالخير الذي تتوقعونه وننشده جميعاً... وإلى الذين شهروا خناجر التشاؤم المطلق، وبدؤوا يمارسون عاداتهم الممجوجة في طعن «الأمل» مهما كان صغيراً وواهياً نقول: تخلوا عن عاداتكم القبيحة هذه ولو مؤقتاً، وتحلوا بالقليل من الصبر إلى حين ظهور ما خفي وما أُخفي. فلا الإغراق في التفاؤل دليل صحة وعافية، ولا نشر التشاؤم الأسود يغيّر الأمور من حال إلى حال. كلها عدة أسابيع أو أشهر وتظهر حقيقة التغيير إذا كان هناك من تغيير. فالمطلوب أولاً وأخيراً معرفة ما في زوايا فكر أوباما بالنسبة للصراع العربي-الإسرائيلي، وما ظهر منه إلى الآن لا يبشر بالتفاؤل، وأيضاً لا يدعو إلى التشاؤم المطلق.

بالنسبة للرئيس الأميركي وإدارته الجديدة فإن القياس بما يمكن أن يفعله يختلف كل الاختلاف عن مقدرته على الفعل، فقد يكون الرجل قوياً، بما لديه من سلطة الدولة الأقوى في العالم، وقد يكون راغباً في استخدام هذه السلطة، لكنه، نتيجة للظروف المحيطة به، غير قادر على ممارستها، فهو أولاً وأخيراً أول رئيس أميركي مشكوك في انتمائه العرقي في بلد مازالت الأقلية من البيض تدير وجهها كلما لمحت لوناً أسود. كذلك فإن انتماءه الديني مشكوك فيه أيضاً، فاسم أبيه «حسين» يبعث الرجفة في أذهان الذين مازالوا ينظرون إلى الإسلام نظرة غير موضوعية، وما أكثرهم في الولايات المتحدة الأميركية.

إن باراك أوباما سيئ الحظ، بعكس ما يقوله البعض، فقد ورث عن سلفه بوش مشكلات الدنيا كلها إضافة إلى انتمائه العرقي وصلته بالإسلام التي ورثها بالاسم فقط عن أبيه، وعليه أن يحارب على كل الجبهات، منذ اليوم الأول لدخوله إلى البيت الأبيض. لذلك فقد وضع سلم أولوياته في مواجهة هذه المشاكل لكنه لم يضع بعد الخطط الكفيلة التي تؤمن لإدارته الطريق السهلة السلسة. وقد يمر وقت قبل أن يتمكن من وضع هذه الخطط، أو بعضها على الأقل، ناهيك عما تخفيه له الأيام من أزمات مستجدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فالأيام حبلى بالمفاجآت غير السارة، والساحة الدولية اليوم أشبه بحقل ألغام، بدءاً من الشرق الأوسط ومروراً بآسيا وانتهاءً بروسيا التي قد تستغل هذا الوضع الحرج الذي ورثه أوباما لمتابعة السير في نهج استعادة مركزها الثاني الذي كانت تتمتع به أيام إمبراطورية الاتحاد السوفييتي.

باختصار: أينما وكيفما يمم أوباما وجهه سيجد أمامه مشكلة تحتاج إلى حل سريع شبيه بالمعجزة، والرجل لم يطرح نفسه صانع معجزات، فحتى صناعة المعجزة بحاجة إلى وقت لإتمامها، فهل سيُعطَى فرصة الوقت الكافي؟ أشك بذلك.

يؤكد المقربون من إدارته، بمن فيهم بعض مستشاريه، في أحاديث صالوناتهم الخاصة، أن أزمة الشرق الأوسط هي الأزمة الضاغطة على سيد البيت الأبيض الجديد، لأنها– في اعتقادهم- أزمة متفجرة وغير مسيطر عليها، ويقولون أيضاً إن أوباما بات على قناعة شبه مطلقة بأن السيطرة على هذه الأزمة وليس حلـّها، هي خطوة ضرورية تساعد إلى حد بعيد في حلّ مشكلتين رئيستين تتعلقان بالحرب على العراق وأفغانستان.

وبالرغم من تشكيك هؤلاء بأن الوضع في العراق ليس بالسهولة التي يصورها الإعلام الأميركي، فإنهم يأملون في الوصول إلى بعض النتائج الإيجابية في حال تخلى «سوء الحظ» الذي زرعه بوش في سنواته الثماني عن الإدارة الجديدة. وأوباما كان يعتقد، وهو رئيس منتخب، أن أولى أولوياته هي في إعادة القسم الأكبر من الجنود الأميركيين إلى ديارهم من ساحة القتال في العراق، وفي فرض الحسم في أفغانستان عن طريق استخدام القوة والحوار مع طالبان في الوقت نفسه. أي «قاتل وأنت تفاوض»، وهو أسلوب امتاز به الفيتناميون.

لكن العدوان على غزة وما تبعه من صيحات الاستنكار والاستهجان في أركان العالم الأربعة، دفع أوباما إلى تغيير خطه المنهجي، فالاهتمام بالصراع العربي-العربي، والعربي-الاسرائيلي، والإسرائيلي-الفلسطيني صار أولوية، حيث وجد أوباما أن السيطرة على الوضع الفوضوي في منطقتنا وليس إيجاد الحلول النهائية، من شأنه أن يمنحه الوقت المطلوب. وكل ما تطلبه الإدارة الأميركية الجديدة اليوم هو الوقت. وهناك من يقول إن أوباما قد «فوجئ» بتوقيت العدوان الإسرائيلي على غزة، لكنه لم يسارع إلى إيقافه في أيامه الأولى، وكان باستطاعته أن يفعل ذلك، بعد أن أكد له الإسرائيليون وكذلك «بعض» العرب أن نجاح العدوان، وبالتالي زوال «حماس» من المسرح السياسي قبل أن يدخل إلى البيت الأبيض، قد يمنحه فرصة الوقت المطلوب للاهتمام بالشأنين العراقي والأفغاني، وعندما وجد أوباما أن رياح العدوان لا تسير حسب ما تشتهي سفن إسرائيل لجهة تحقيق الأهداف السياسية المرسومة له، وأن المنطقة كلها على شفير بركان هائج، طلب من مستشاريه اليهود- وما أكثرهم- التدخّل لدى إسرائيل لوقف العدوان والانسحاب من غزة قبل دخوله إلى البيت الأبيض. وقد قام هؤلاء بأول مهمة ناجحة حيث قيل إنهم كانوا على اتصال هاتفي مستمر بأصحاب القرار في تل أبيب. وهناك شائعة غير مثبتة تدور في الوسط السياسي الأميركي مفادها أن تل أبيب وافقت على وقف العدوان والانسحاب من غزة قبل «تتويج» أوباما شرط ألا يذكر الرئيس المنتخب في خطاب القسم «أي شيء» عن إسرائيل وعن مشكلة الشرق الأوسط. ووافق أوباما، لأنه في الواقع، لم تكن لديه النية في طرح هذا الموضوع في الأساس، وكانت هذه أول «مساومة» تحت الطاولة يقوم بها أوباما في بداية عهده.

إن اتصال أوباما الهاتفي، ومن بعده وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون بعدد من الزعماء العرب ذوي اللون السياسي الواحد، بعد ساعات من دخوله إلى البيت الأبيض، مؤشر واضح على رغبته في تهدئة الشعور العربي تمهيداً للسيطرة على الوضع ومنعه، ولو مؤقتاً، من التدهور والانفجار. هذا الأمر يلتقي مع مطلبه الملحّ وهو كسب الوقت لمعالجة الأزمة بشكل هادئ.

غير أن الوقت الذي كسبه أوباما محدود، فالوضع قد يعود إلى حافة الانفجار إذا لم يسارع إلى وضع أسس واضحة، أو «خارطة طريق» جديدة تختلف عن تلك التي اخترعها بوش وإدارته السابقة، مبنية على قواعد جديدة، لأن اللعبة القديمة مع قواعدها كانت أولى ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة، وليس في أفق واشنطن بعد دلائل تشير إلى توصل أوباما وإدارته إلى تحديد خارطة الطريق الجديدة هذه.

إن العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة قد زاد الأمور تعقيداً على تعقيد، حيث أدخل عناصر جديدة في عملية الصراع العربي-الإسرائيلي، وإلى الذين يأملون، بل يصلون في الليل وفي النهار، على أن أوباما سيمارس الضغط الكافي على إسرائيل لإنجاح المبادرة العربية القائلة بالأرض مقابل السلام... إلى هؤلاء أقول بكل ثقة وبالفم المليان: إنه الوهم المجسّد بالأمل، ليس لأن أوباما غير راغب في ممارسة الضغط، بل لأنه... غير قادر.

* كاتب لبناني

back to top