شباب أميركي منفتح وكويتي متخلف!

الانتخابات في أميركا لها طعمها الخاص المميز عن بقية انتخابات العالم نظرا لتسارع المتغيرات فيها إضافة إلى مفاجآتها الثقيلة التي لا يوجد لها مثيل في بقية الدول. فقبل عشر سنوات بالضبط استطاع مرشح مستقل ومصارع سابق يدعى جيسي فينتورا الفوز بانتخابات حاكم ولاية مينيسوتا هازما منافسيه من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وكان ناجحا في عمله. وبعده بسنوات عدة استطاع الممثل آرنولد شوارزينيغر الفوز بمنصب حاكم ولاية كاليفورنيا التي تعتبر سابع أكبر اقتصاد بالعالم. وفي سنة 2002 مات حاكم ولاية ميسوري كارنهان قبل أيام قليلة من انتخابات مجلس الشيوخ التي ترشح لها، ونظرا لقرب موعد الانتخاب، وعد نائب حاكم الولاية بتعيين أرملة كارنهان بديلا عنه في مجلس الشيوخ لو فاز في الانتخابات، حيث يعطي الدستور الأميركي الحق لحاكم الولاية بتعيين بدلاء لأعضاء مجلس النواب والشيوخ عن ولايته في حال تعذر استمرارهم في أداء المهمة لأي سبب كان. وبالفعل اختار ناخبو ميسوري المرشح الميت للفوز بالمنصب وعينت أرملته بدلا عنه!

وفي هذه السنة رأينا كيف أن أموراً تافهة تصبح قضايا كبرى يتحدث عنها الجميع. خذ مثلا جوزيف الذي يعمل سباكا واختاره ماكين في إحدى خطبه ليشرح عن معاناة الطبقة الوسطى. وفجأة تحول هذا الرجل إلى مثال يطرحه المرشحون في كل خطبهم حتى أصبح رجلا مشهورا يرافق ماكين في تجمعاته ويوقع «اوتوغرافات» للجماهير ويستعين بشركة علاقات عامة لتسويق صورته للجمهور وتتحدث عنه البرامج السياسية والكوميدية! كما شهدنا في هذه السنة أيضا إعادة انتخاب سيناتور ولاية ألاسكا تيد ستيفنز لولاية جديدة (وإن لم تحسم نهائيا بعد) مع أنه أدين قبل أيام عدة بتهم جنائية عديدة تتعلق بقبوله أموالا وهدايا غير مشروعة، مع أنه يبلغ من العمر 84 عاما وأمضى 40 عاما في مجلس الشيوخ. وفي المقابل، ترشح الممثل والكاتب الكوميدي خريج جامعة هارفارد آل فرانكين لمنصب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية مينيسوتا أيضا، وإلى الآن لم يُعرف مَن الفائز بتلك الانتخابات نظرا لحصوله هو ومنافسه الجمهوري على مليون ومئتي ألف صوت لكل منهما مع تفوق الأخير عليه بمئتي صوت فقط! أي أن الفارق يمثل (0.016%)، وهو ما يستدعي حسب القانون إعادة الفرز يدويا «خلف الله علينا».

وفي هذه السنة أيضا سجلت أميركا حدثا تاريخيا بفوز رجل من أصول إفريقية بانتخابات الرئاسة، وهو ما كان يعتبر من أحلام اليقظة حتى قبل سنوات قليلة. طبعا كان أوباما محظوظا جدا لأن الظروف جميعها كانت لمصلحته، كما لا يمكن إنكار دور المؤسسات الفاعلة في المجتمع في نجاحه، وهي التي تملك المال الذي انهمر عليه كالمطر. لكن مع ذلك لم يكن بمقدور أوباما الفوز لولا التغير الديناميكي في المجتمع نحو تجاوز العصبيات العرقية، خصوصا بين فئة الشباب.

الشواهد السابقة كلها تدل على غرابة الناخب الأميركي لأن اختياره يكون غير منطقي تماما في بعض الأحيان ومنفتحا بصورة لا تصدق في أحيان أخرى، لكن على الأقل هناك حركة وتغيير، أما نحن فنزداد تخلفا يوما بعد يوم. خذ مثلا الانتخابات الأخيرة التي عززت الاختيارات القبلية والطائفية والطبقية مع أن المجتمع يفترض أنه يتقدم لا أن يتأخر.

والمصيبة أن هذه الظواهر تزداد عند جيل الشباب الذي من المفترض أن يقتدي بأقرانه الأميركيين نحو الانفتاح. فأخيرا لم تعد الانتخابات الفرعية مقتصرة على مجلس الأمة ولا حتى على الجمعيات والأندية والنقابات، بل تسللت إلى انتخابات كليات الجامعة وانتخابات اتحادات الطلبة في الخارج! فإذا كانت هذه هي حال قادة المستقبل فعلى البلد السلام، وهو ما يذكرني بأبيات الشاعر الشهيرة عن شهاب الدين والتي ذكرها النائب السابق خالد العدوة في إحدى الجلسات!

كما اضحكني أخيرا إعلان مدفوع الأجر من قبل دكتور وشيخ دين في الوقت نفسه يدعو فيه أبناء قبيلته إلى التصويت لمرشح الثانوية العامة الذي نال تزكية القبيلة، كما يدعو أيضا أبناء الدائرة كافة إلى التصويت للمرشح المذكور! كنت أتصور أن الإنسان عندما يكون شيخا ودكتورا يصبح لديه علم مركب، لكن يبدو أن العكس صحيح في بعض الأحيان أو ربما في معظم الأحيان!