لي عادة سيئة وهي العادة الوحيدة السيئة طبعا! أن أرمق كل صباح وأنا في الباص أو القطار عنوان الكتاب الذي يقرأه جاري أو جارتي في المقعد. من خلال ذلك أستطيع أن أحدد أكثر الكتب انتشارا. اكتشفت أن الأغلبية الساحقة لا تقرأ الكتب التي نتناولها بمحاضراتنا النقدية. الكتب التي يقرأها الغربي والمغترب ليست هي دائما الأرقى ابداعا والأكثر حضورا في النقد الأكاديمي. فسلسلة روايات نورا روبرتس وسلسلة ستيفاني ماير الأكثر توزيعا وانتشارا ليس بين الشباب فقط ولكن بين الكبار أيضا. هذه الروايات تجد طريقا سهلا للسينما وتعرضها الصحف بخط عريض «أكثر الكتب مبيعا»، ثم تشير الى مواطن الضعف فيها ولكن تلك الصحف لم تقل انها روايات فضائحية كما يصرح نقادنا وكتاب الصفحات الثقافية لدينا.

Ad

أتابع كغيري الهجمة المصاحبة للروائيات السعوديات ومحاولاتهن التي تتسم بالجرأة النسبية في طرح المواضيع الاجتماعية، وأدرك أن تلك الهجمة ليست نقدا موضوعيا للرواية كجنس أدبي وانما للبحث في واقع الرواية الذي كتبت فيه. بمعنى آخر نحن نبحث عن تطابق الرواية أدبيا مع ما يدور اجتماعيا. الذريعة التي يختبئ خلفها هؤلاء «النقاد» أن الروايات لا تندرج تحت بند ما يسمى بالرواية الأكاديمية أو رواية الأدب الراقي. وأنها سلكت طريقها الى القارئ عبر تناول التابو الذي يغري القراء ويجعلهم يقبلون عليها بحثا عن مواطن «الكسر» لهذا التابو، وسأتفق مع «النقاد» أن ذلك حق. ولكن الباطل الذي يراد منه هو موضوعي الذي أختلف فيه معهم.

أولا: الرواية هي الجنس الأدبي (الجانرا) الوحيد الذي لم يتشكل حتى الآن بصورته النهائية. فعشرون صفحة قد تكون رواية وعشرون كتابا في سلسلة رواية أيضا. وقد تكون ميتا- رواية كرواية كيرت فونيجت. ذلك على غرار المسرحية والقصيدة وما يميزهما من اكتمال شبه كلي للشكل. وبغض النظر عن لغة المسرحية أو القصيدة سواء كانت فصحى أو عامية ما أناقشه هنا هو الشكل.

ثانيا: ليس مطلوبا من الرواية أن تكتب بلغة أدبية أكاديمية حتى تكون رواية. والا لرفضنا المسرحية العامية والشعر العامي، وفي هذين الجنسين ما هو أرقى من نظيرهما الذي كتب باللغة الفصحى أو لغة الأكاديميا. يبقى الخوف على المناطقية والانتشار وهو خوف ليس له مبرر. طالما كان هدف الكاتب أن يختار قارئه من حوله وليس بعيدا عنه لأن الرسالة التي يريدها موجهة الى هذا القارئ. القارئ يفهم شفرات الكاتب ويجيد تحليلها وسأضرب مثلا بالصديق نشمي مهنا. هو شاعر فصيح وعامي ومجيد في الحالتين ولكن برسالتين مختلفتين في كلا الحالتين.

ثالثا: وهو الأهم، صحيح أن انتشار رواية ما لا يعني أنها الأفضل. حين صدرت رواية كوخ العم توم لهاريت ستو بيعت في اليوم الأول 3000 نسخة وفي عامها الأول 350000 نسخة. كان ذلك عام 1852 وبمعايير هذا الزمن يضرب هذا الرقم في عشرة. وهوجمت الرواية على أنها رواية بروبوغاندا وأن الرواية استغلت الوضع الأميركي واضطهاد السود لتحقق شهرتها، ولا ينظر لها النقاد على أنها رواية أكاديميا. ولكن ذلك لا يعني أن لنا الحق في الحجر على القارئ وعلى غرار «دعه يعمل، دعه يمر» نقول: «دعه يقرأ، دعه يفهم».

أتمنى ألا نقسوا على رجاء الصانع وقريناتها بحجج واهية وألا نلجأ الى المنع. أتذكر أن أكثر الروايات انتشارا في يوم من الأيام كانت رواية حنان الشيخ «مسك الغزال»، لأن الرقيب منعها فمنحها شهادة حياة لا شهادة وفاة كما يظن.