في بداية الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، توقفت «قسراً» عن الكتابة، وساءت حالي النفسية كثيرا، وقررت ان اهجر المدينة كلياً نحو الصحراء، ولكن بسرعة مباغتة التفّ حولي العشرات من الشعراء الشعبيين الشباب وجعلوا من منزلي في الصليبية ناديا لهم، فأخذوا يسمعونني قصائدهم الجديدة واقوم بالتوجيه والتصويب والتقييم، وكان من هؤلاء الشعراء مسفر الدوسري، ناصر السبيعي، فهد عافت، سلمان المانع، نايف الحربي، خلف الحربي، فهد دوحان، عيسى ناصر، علي عبدالله العنزي، عارف سرور (شادي الود)، ملوح العنزي، خلف الاسلمي، محمد عواد، نايف صقر، علي المبرد، تركي المطيري، وغيرهم وغيرهم ممن لا تسعفني الذاكرة العجوز على تذكرهم كلهم، على الرغم من انهم ابنائي وأحبابي الذين ظلوا اوفياء لي حتى اليوم، أي أنني فجأة اصبح لي مريدون وتلاميذ يلتفون حولي اينما ذهبت، وفي تلك الفترة جمعتني زمالة رائعة مع امرأة رائعة وكاتبة رائعة ألا وهي «المبرقعة» التي اشعلت الساحة الشعبية زمنا بعينيها الناريتين اللتين تقتلان الشعراء، وكتاباتها الساخنة ونقدها اللاذع وروحها الشفافة الجميلة، لذلك تجد القليل القليل من الشعراء لم يتغزل بتلك العينين الساحرتين، بل كانت المبرقعة هي القنديل الذي يحوم حوله فراش الشعر الذي سرعان ما يتساقط على نار زبالته المشتعلة، كما ان هنالك فتاة مثقفة صعلوكة انضمت الى شلة الشعراء، وكانت تمشي معهم وتذهب اينما ذهبوا وكان الكل يعتبرها صديقا لا يختلف عن الاخرين، وهذه الفتاة التي تزوجت رجلا خليجيا وتقيم معه حتى يومنا في بلاده، كانت من اروع النساء اللواتي عرفت، لثقتها الكبيرة في نفسها، ولو لم أشأ ان اسبب لها الاحراج الآن بعد ان اصبحت أماً لشهرت اسمها على الاشهاد فهي جديرة بالتذكر والوفاء، لانها بمنزلة اخت الرجال.
*** اقول في تلك المرحلة قام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بانتدابي اليه للتفرغ للابداع، والفضل يعود في تلك الالتفاتة الرائعة الى الصديق الدكتور سليمان العسكري رئيس تحرير مجلة العربي الآن، وكذلك المرحوم الشاعر احمد العدواني والدكتور الشاعر خليفة الوقيان، وكان المجلس آنذاك يضج بالعديد من المثقفين والاصدقاء مثل الدكتور بدر الديحاني، والاستاذ عبدالهادي نافل العجمي، والاستاذ بادي المطيري والاستاذ علي صياح السميران، والاستاذ سهل العجمي والاستاذ سليمان الشيخ، وغيرهم وغيرهم من المثقفين والشعراء والكتاب. وبالطبع في تلك المرحلة فكر صاحب السمو الملكي الامير بدر بن عبدالمحسن بإصدار مجلة تُعني بالادب الشعبي، وقد اوكل الامر الى الصديق نايف الحربي، الذي اصدر «الغدير»، حيث قمت بإعداد العدد الأول من الغلاف الى الغلاف، ولكن «الغدير» لم تستمر طويلا، لظروفها المالية، فأوكل الامير بدر الى الصديق والزميل ناصر السبيعي ان يصدر مجلة «المختلف» التي لم تزَل تصدر حتى اليوم، لذلك اصبحت «المختلف» منذ ذلك الزمان مدرسة شعرية تخرّج اجيالا من الشعراء المبدعين وبالطبع كان لي اليد الطولى في ارساء دعائمها حتى قامت، واخذت تعتمد على نفسها في التوزيع وتسد كل تكاليفها الاخرى، وما ان قامت «المختلف» حتى أصبحت نادياً آخر للشعراء، بالاضافة الى بيتي وبيت الصديق الشاعر الطيار علي القهيدي، الذي كان نعم الرجل الشهم ونعم الشاعر المبدع.
توابل - ثقافات
السيرة الذاتية لطائر الصحراء (41)
27-08-2008