ما قام به المبعوث الأميركي الجديد الى الشرق الأوسط جورج ميتشل في هذه المنطقة هو مجرد جولة استطلاعية لالتقاط الخيوط العامة للمهمة الشاقة والصعبة التي أوكلت إليه، فكل شيء مؤجل الى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، التي من المقرر ان تجرى بعد أيام قليلة، والتي في ضوء ما ستسفر عنه ستتضح إمكانيات مدى التقدم الذي من الممكن إحرازه بالنسبة الى اجتراح الحل المنشود القائم على أساس الدولتين على صعيد القضية الفلسطينية.
خلال هذه الجولة التي أخذته الى القاهرة والقدس المحتلة ورام الله وعمان والرياض كان جورج ميتشل مستمعاً أكثر مما هو متكلم، وسمع من الإسرائيليين وجهات نظر متضاربة تختلف كل منها عن وجهة النظر الأخرى، بينما سمع من الفلسطينيين والمصريين والأردنيين والسعوديين كلاماً متطابقاً، فتثبيت وقف إطلاق النار في غزة هو البداية، وتجميد الاستيطان هو المدخل، وإعطاء السلطة الوطنية تسهيلات عاجلة ضرورة ملحة في ضوء هذا الواقع الفلسطيني المؤسف، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة هو الحل القابل للحياة والذي يرضي الأجيال المقبلة. في عمان لمس المبعوث الأميركي رفضاً حازماً وحاسماً لأي مبادرة سلام جديدة، فالأمور باتت لا تقبل التسويف، والوقت يمضي بسرعة، والتحديات «أكثر من الهم على القلب»، والإيرانيون وتحالفهم يتحركون بسرعة، ومنظمة التحرير باتت أكثر استهدافاً من ذي قبل... وهناك قرارا مجلس الأمن الدولي 242 و338 والقرار الأخير رقم 1860، بالإضافة الى عدد من القرارات الأخرى، وهناك خارطة الطريق ومقررات أنابوليس، وهناك ما تم التوصل إليه في المحادثات الماراثونية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) وإيهود أولمرت، وخصوصا المتعلقة بالاستيطان والمستوطنات في الضفة الغربية. لم يعترض القادة والمسؤولون العرب، الذين التقاهم جورج ميتشل، على ان تكون جولته هذه مجرد جولة استطلاعية، وعلى أنه لابد من انتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية، فإسرائيل رقم رئيسي وأساسي في عملية السلام، وأحزابها التي تغرق الآن في «المزايدات» السياسية، بينما هذه الانتخابات باتت على الأبواب، ستتضح مواقفها الحقيقية بعد الانتهاء من الاحتكام الى صناديق الاقتراع، وبعد ان ينحاز كل واحد منها الى سربه في ضوء النتائج التي قد تأتي مفاجئة وغير متوقعة. إن كل استطلاعات الرأي، التي أُجري بعضها بينما كان جورج ميتشل في إسرائيل وفي المنطقة، قد أشارت الى ان اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو هو الذي سيفوز في هذه الانتخابات التي يعتبرها الإسرائيليون مصيرية وتاريخية، وهذا معناه في حال ان تتحقق تنبؤات هذه الاستطلاعات ان مهمة المبعوث الأميركي ستكون أكثر من صعبة، وقد تنتهي بالفشل الذريع إن لم تمارس إدارة الرئيس باراك أوباما ضغطاً حقيقياً وفعلياً على الإسرائيليين، وإن لم تتخل واشنطن عن سياسة «الدَّلع» التي تعاملت بها معهم الإدارة السابقة. لقد أشعر جورج ميتشل العرب الذين التقاهم خلال هذه الجولة الاستطلاعية بأن بلاده جادة هذه المرة في حل هذه القضية المعقدة، وأن رئيسه باراك أوباما عاقد العزم على إنهاء هذا الصراع، لكن، وهذا قاله أيضاً الموفد الأميركي لمن التقاهم، لابد من الحذر وتجنب التفاؤل أكثر من اللزوم، فالأمور ليست سهلة وهناك تداخلات إقليمية كثيرة... وهناك أيضاً انشغالات الرئيس الأميركي الجديد بقضايا داخلية وخارجية كثيرة ملحة وخطيرة. * كاتب وسياسي أردني
مقالات
بانتظار جولة أُخرى
03-02-2009