انهيار مدينة السيارات
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
إن الشركات الثلاث الكبرى وشريكاتها في تمويل صناعة السيارات (مثل GMAC) من بين أضخم الجهات المستدينة والتي تنتشر مديونياتها في أنحاء النظام المالي المختلفة. وإذا ما أفلست هذه الشركات فإن صناعة التأمين التي من المرجح أن تكون مستحقة لقسم ضخم من هذه الديون سرعان ما ستدخل في دوامة الانهيار. وسوف تتأثر أيضاً صناديق المعاشات التقاعدية، الأمر الذي من شأنه أن يفرض المزيد من التكاليف على مؤسسة ضمان معاشات التقاعد الحكومية. ولكن أعظم الضرر قد يتأتى من مقايضات العجز عن سداد قروض الائتمان والتي كانت السبب في سقوط أميركان انترناشيونال جروب (AIG). لا شك أن العديد من الناس راهن بمبالغ ضخمة على سندات «جنرال موتورز»، و«فورد»، و«كريزلر»، وGMAC، والإفلاس لابد أن يشكل حدثاً يؤدي إلى مقايضة العجز عن سداد قروض الائتمان، الأمر الذي يتطلب بالتالي سداد هذه السندات. علاوة على ذلك فإن إفلاس الشركات الثلاث الكبرى من شأنه أن يؤدي إلى إفلاس شركات أخرى، الأمر الذي يهدد بحدوث سلسلة من الأضرار المالية مع هبوط قيمة سندات وأسهم هذه الشركات، وبالتالي المزيد من حالات مقايضة العجز عن سداد قروض الائتمان. وهذا هو الكابوس الذي يهدد بتكرار انهيار عام 1929. إن معارضة خطط الإنقاذ تعيد إلى السطح من جديد أسوأ ما في الفكر الاقتصادي المحافظ الذي أوقع أميركا والعالم في هذه الفوضى في المقام الأول. والحقيقة أن معارضة مجلس الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة للتدخل العملي كانت تعني أنهما لم يدركا أن مجرد إحاطة المصارف التجارية بسياج واقٍ لا يكفي لإنقاذ النظام المالي. وما يحدث منهما الآن يعني أنهما أخفقا في إدراك الأهمية المالية التي تتسم بها هذه الشركات الثلاث الكبرى.والآن تعود أيضاً الروح العدائية المحافظة في التعامل مع النقابات العمالية. بيد أن ضعف النقابات العمالية كان السبب الذي أدى إلى ضعف الأجور وأجبر الأميركيين على الاعتماد على الدَين وتضخم أسعار الأصول كمحرك للنمو. من بين الاتهامات المحافظة الأخرى أن عملية الإنقاذ تشكل انتهاكاً لقواعد التجارة الحرة. ولكن هذه القواعد بعينها هي التي عززت العجز التجاري الذي قوض استقرار الاقتصاد الأميركي. والحقيقة أن التجارة العالمية سوف تعاني أشد الضرر نتيجة للتداعيات الاقتصادية العالمية المترتبة على إفلاس الشركات الثلاث الكبرى. وأخيراً، لـفَّقَ المحافظون قصة الخطر الأخلاقي القديمة ليزعموا أن الإنقاذ من شأنه أن يحول شركات التصنيع الأميركية إلى متسولين دائمين للأموال الحكومية. والحقيقة أن شركات الأعمال كانت تمارس ضغوطها عل الكونغرس دوماً طلباً للمحسوبية والإعفاءات الضريبية، ولقد أثبتت تجربة «ليمان براذرز» حماقة الخلط بين القصص الرمزية عن المخاطر الأخلاقية وبين إدارة الأزمات. لا شك أن ديترويت تعاني مشاكل هائلة، ومن المؤكد أننا لا نستطيع أن ندين القيمين على الشركات الثلاث الكبرى لصناعة السيارات بفرط الخيال. فقد أسهمت السياسة الاقتصادية أيضاً في الوضع الراهن الذي أصبحت فيه هذه الشركات، كما تسببت الاتفاقيات التجارية والمبالغة في تقدير قيمة الدولار في تشجيع استيراد السيارات، وكما تسببت السياسات العشوائية في التعامل مع الطاقة والبيئة في خنق الإبداع. لابد من إصلاح هذه النقائص كلها، ولكن التضحية بأكبر ثلاث شركات لتصنيع السيارات لن تحقق أي إنجاز، بينما تهدد العالم بالانزلاق إلى حالة مأساوية من الكساد الاقتصادي.* توماس بالي ، كبير خبراء اقتصاد سابق في لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»