الوطن، هو أبو الجميع، ونحن كلنا أبناؤه، كلنا، فمهما اختلفت أشكالنا وتنوعت أعراقنا، أو تعددت أدياننا وتباينت مذاهبنا، نبقى دوما، أبناء أوفياء لهذا الوطن الجميل، نحبه ويحبنا، نعشقه ويعشقنا، والمواطنون الشرفاء المخلصون كلهم الذين يعيشون على ترابه، ويتنفسون هواءه، ويستظلون بظله، لهم الحقوق والواجبات نفسها، من دون أدنى تمييز أو تفريق أو تهميش لأحد منهم، وكلهم سواسية في حقوق المواطنة، من حرية وعدالة ومساواة، فقد كفلها الدستور لهم جميعا من دون استثناء!

Ad

ولذلك، أتمنى، وآمل، أن نتوقف عن المزايدات الوطنية، وأن نرتفع ونرتقي بمستوى نظرتنا وتفكيرنا وتعاملنا بعضنا مع البعض، أيا كان انتماء أحدنا الديني أو المذهبي، بعيدا عن إثارة أي نعرات طائفية أو تعصب مذهبي أو تكسب سياسي، فالوضع لا يحتمل المزيد، وعلينا، إن أردنا أن يديم الله علينا نعمة الأمن والأمان، أن نتعظ بما يحدث في دول الجوار من تفرق وتشرذم وانقسام، وما جرَّته عليهم الطائفية البغيضة من مصائب وكوارث وويلات، ولم يكن هذا ليحدث لولا غياب العقل والعقلاء، وسيادة الجهل والجهلاء، وتفشي الكراهية والبغضاء، في ما بينهم!

منذ أشهر، أيها السيدات والسادة، ولأسباب غير منطقية بالمرة، اتخذ بعض المتشددين والمتمصلحين من أهلنا السنة وضعا هجوميا، قابله بعض المتشددين والمتحمسين من أهلنا الشيعة بخطة دفاعية، اعتمدوا خلالها على شن هجمات مرتدة سريعة على مرمى الخصم، وكان لبعض وسائل الإعلام غير الناضجة والباحثة عن الإثارة والمصلحة الشخصية، دور في استمرار هذه المواجهات الجدلية، التي لا يُرجى منها خير أو فائدة لأحد أبدا، لكنها على أي حال، أوضحت لنا بجلاء أن هناك استعدادا وتحفزا مسبقين عند الطرفين، السُّني والشيعي، لمواجهة من هذا النوع، وأن هناك خططا معدة لمثل هذه المعارك الكلامية، التي يتم بها تبادل الاتهامات بالجملة للخصم، وبلا حدود!

بعد حادثة التأبين الشهيرة، كان الولاء الخارجي لـ«حزب الله»، هو التهمة الرئيسية التي اتهم بعض السُّنة إخوانهم الشيعة بها، وهي التهمة التي لم ينفها أكثر الشيعة عن أنفسهم، بل راحوا يحاربون على الجبهة نفسها، ويعددون فضائل ومحاسن الحزب وانتصاراته التي لا ينكرها- كما رددوا- إلا أعمى البصر والبصيرة، وإلا الجاحد الحاقد الذي يكره المذهب الشيعي ورموزه، موضحين أن هذا الأمر لا يتعارض مع ولائهم للوطن، بل لا يشكل ذرة منه!

وأنا أوافقهم على ذلك، وأدرك أنه صحيح 100%، رغم أنني، كما بيَّنت من قبل، لست من هواة «حزب الله»، ولا أرى في السيد حسن نصر الله نموذجا للقائد الذي تحتاج إليه الأمة لاستعادة انتصاراتها وأمجادها العريقة، فأنا أفضل قادة من طراز الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يحقق انتصاراته، من دون أن يطلق رصاصة واحدة على أحد، ومن دون أن يحمل صورته أحد، ويهتف له «بالروح بالدم نفديك يا فلان»، هكذا فعل اليابانيون من قبل، وهزموا العالم بأجمعه، بالعلم وبالمعرفة، من دون مدافع أو دبابات أو صواريخ، فزمننا هو زمن المصالح السياسية والاقتصادية، لا زمن الشجاعة والشجعان!

ورغم ذلك، فإنني أحترم الاخوة الشيعة كلهم الذين يحبون السيد وحزبه، ويرونهما الأفضل والأنقى والأحسن بين العالمين، هذا حقهم، ماداموا لا يفرضون أو يرغمون أحدا على تبني رأيهم، ومن عظيم الظلم والسخف، أن نعتبر حبهم وحماسهم لـ«حزب الله» خيانة للوطن، أو نظن أن ولاءهم لهذا الحزب أعظم من ولائهم لوطنهم، هذا أمر غير مقبول، وغير منطقي وغير معقول، وفيه الكثير من التجني وعدم الإنصاف.

الشيعة والسنة موجودون منذ مئات السنين في الكويت، يعيشون معاً، وما عهد الطرفان من بعضهم بعض على مر التاريخ إلا خيرا، وهذا هو تاريخ وطننا ونسيج مجتمعنا، وولاء الشيعة ليس محل تشكيك أبدا، وقد كان، ولايزال، وسوف يبقى للكويت، ولن يكونوا في يوم من الأيام أداة في يد أعدائنا أو ورقة مساومة يساوموننا بها، وهم كأفراد، مثل اخوانهم السُّنة، متعددة أفكارهم، متنوعة آراؤهم، مختلفة مواقفهم من شخص إلى آخر، ومنهم العالم ومنهم الجاهل، وفيهم المعتدل وفيهم المتشدد، وبينهم من هو منفتح الفكر وبينهم من هو منغلق، والتعميم شعار الجاهلين، والتعميم لسان الظالمين، فأصابع اليد ليست واحدة، وهناك في كل طائفة وملة وقبيلة وجنسية من يساوي وزنه ذهبا، وهناك من لا يساوي وزنه تبنا! فاحذروا جميعا أيها الأعزاء من الأصوات النشاز العالية، ومن الإعلام غير الواعي، وغير المتعقل، والمفتقد المصداقية والنضج، فقد يفعل بنا ما لا تفعله جيوش الأعداء، من تفرق وتشرذم وانقسام بين أبناء الوطن الواحد، في ظل وجود بعض الجماعات السنية والشيعية المتشددة والمتعطشة دائما لإثارة الفتن، وتصفية الحسابات، غير عابئة بالثمن الذي ندفعه جميعا، فكل واحد منهم يظن أنه لن يدخل الجنة إلا على عظام وأشلاء الآخر، ولن يفشل مشاريعهم الكارثية هذه، سوى تكاتفنا وتلاحمنا واتحادنا، فكلنا أبناء لهذا الوطن المعطاء، أبو الجميع، الشيعي والسُّني، وهو يحبهم جميعا، ولم، ولن، يفرق بين أحد منهم في يوم من الأيام!