أي عدالة تلك التي تغرف عشرة آلاف دينار من احتياطي الدولة وتعطيها لمن مسجل باسمه بيت وسيارتان وخادمتان وسائق ولا يفوت صيفية في لبنان ولندن؟ وأين العدالة في توزيع الأموال هكذا دون أدنى ضمان لخلق فرصة عمل واحدة؟ إن العدالة تجاه الدولة أهم بكثير من عدالة ضرب عشرة آلاف دينار بعدد المواطنين فوق 21 سنة.

Ad

توسمنا بالنواب الشباب علي الراشد ومرزوق الغانم ومحمد العبدالجادر خيراً في قيادة المجتمع باتجاه تغيير السلوك الاستهلاكي وترسيخ الإنتاجية والمسؤولية الفردية والوطنية، ولكن يبدو أنهم لم يقووا على الصمود طويلاً أمام الضغوط الانتخابية والاقتصادية في أجواء الحل والأزمة المالية الراهنة، فتخلوا عن القيادة وسلموا رقابهم للطرح الانتخابي الشعبوي بتقديمهم مع النائبين عبداللطيف العميري ومخلد العازمي اقتراح القرض «العمياوي» الذي غلفوه بـ«العدالة»، وهو منها براء.

النائب مرزوق الغانم أعلن بابتسامة عريضة أن «الاقتراح يضخ السيولة» بينما لسان حال اقتصادنا يرد عليه «وفرحان أوي؟» السوق لا تنقصه السيولة التي تتكدس هذه الأيام في خزائن البنوك ولا تجد منفذاً لاستغلالها. إن من محاسن الأزمة المالية أنها في جزء كبير منها هي عملية تصحيح لأوضاع خاطئة وتفريغ لفقاعات الأصول الاستثمارية والعقارية التي تم نفخها بشكل منظم لمدة طويلة، كما أنها ساهمت في استقرار معدل التضخم الذي لايزال في مستوى عالٍ يفوق 10% حسب آخر بيانات متوافرة، وانعكس هذا الاستقرار على أسعار السلع التي انخفضت خلال الأشهر القليلة الماضية، ولكن يبدو أن ذلك لا يروق للغانم وزملائه، فيأتون الآن ويصبون كل هذه السيولة في السوق التي ستحلق بالأسعار عالياً من جديد.

أما بالنسبة لـ«عدالة» الاقتراح المزعومة، فأي عدالة تلك التي تتجاهل التبعات الاجتماعية والسلوكية لمجتمع كامل يتم الدفع به نحو مزيد من انعدام المسؤولية في الاقتراض والصرف؟ وأي عدالة تلك التي تغرف عشرة آلاف دينار من احتياطي الدولة وتعطيها لمن مسجل باسمه بيت وسيارتان وخادمتان وسائق ولا يفوت صيفية في لبنان ولندن؟ وأين العدالة في توزيع الأموال هكذا دون أدنى ضمان لخلق فرصة عمل واحدة؟ إن العدالة تجاه الدولة أهم بكثير من عدالة ضرب عشرة آلاف دينار بعدد المواطنين فوق 21 سنة. إني أتفهمها لو جاءت من آخرين، ولكن متى أصبح مفهوم العدالة عند نواب مثل الراشد والغانم والعبدالجادر يختزل بالأرقام؟ أنتم أفضل من ذلك بكثير، فلو كانت العدالة ببساطة جدول الضرب في ثاني ابتدائي لكانت الدنيا بخير.

إن اقتراحاً بهذا الحجم ويمس كل مواطن يجب أن يكتب ويمحص من قبل جهات اقتصادية كالبنك المركزي والجمعية الاقتصادية وأكاديميين وخبراء بحجم جاسم السعدون قبل أن يصل محطته الأخيرة ليتقدم به النواب.

أمامنا فرصة ثمينة للتأثير إيجابياً في قيم المجتمع وتكريس المسؤولية تجاه المال العام، لذلك أقل ما نتوقعه من النائب مرزوق الغانم وزملائه هو النأي بالمال العام عن تصريحات التشويق والإثارة كالتي أثاروها في الصحف قبل تقديم الاقتراح وكأنها دعاية فيلم سينمائي. ويا حبذا لو قاموا بابتكار طرق أفضل لمواجهة ضغوطهم الانتخابية... «ترى ما صارت صليبيخات!»