نملك قيم العدل والحرية المؤهلة لإنقاذ البشريّة من معاناتها المفكِّر الإسلامي د. أحمد كمال أبو المجد: واجبنا تصحيح مفهوم عالميّة الإسلام

نشر في 05-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 05-09-2008 | 00:00
يعتبر د.أحمد كمال أبو المجد (نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر ووزير الإعلام المصري الأسبق)، أحد المفكرين الإسلاميين الذين كرسوا فكرهم للدفاع عن الإسلام، وبناء حائط صدّ إسلامي قادر على المواجهة في المعركة الحضارية الراهنة.

«الجريدة» التقته في حوار متعدد القضايا حول العولمة و{الأمركة» وكيفية مقاومة مخاطرهما وحماية الثقافة الإسلامية من القيم والتيارات الوافدة.

كيف تنظر إلى العولمة في أساسها؟ وهل ثمة فارق بينها وبين «الأمركة»؟ أم أنهما وجهان لعملة واحدة؟

ليست العولمة أكثر من مشروع استعماري أميركي يختبئ وراء شعارات متنوعة، ليخفي عن الناس حقيقة عدوانيته، هي في جوهرها إلغاء التعددية وعدم الاعتراف بالآخر، الآخر الثقافي والاقتصادي والإعلامي والاجتماعي... والإلغاء من وجهة نظر مشروع العولمة هو في مصلحة الأمركة.

العولمة، هي تعميم للنمط الغربي الليبرالي الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وبذلك تكون مشروعاً استعمارياً يطرح بشكل يخفي حقيقة المضمون، كما حصل عندما استعمرت دول الحلف الأمة العربية وقسمتها الى مناطق نفوذ بناء على اتفاقية «سايكس بيكو» وغلفتها بستار اسمه الانتداب. كذلك الأمر بالنسبة الى الولايات المتحدة التي تسعى راهناً الى الهيمنة على مقدرات الشعوب العربية، خصوصاً الإسلامية تحت ستار العولمة، فالقول بسيادة ثقافة واحدة من خلال ثورة الاتصالات لا يعنى شيئاً سوى هيمنة الثقافة والقيم الأميركية على العالم، والخطر هنا شديد الوضوح، ستقضي الدعوات السابقة على أبرز ما يميز كل أمة عن غيرها لا سيما الخصوصيات الثقافية فيها.

تهدد العولمة الثقافية دول العالم الإسلامي الذي تسوده ثقافة وقيم تختلف تماماً عن تلك السائدة في الولايات المتحدة التي تعكس قيم الانحلال الديني والأسري، وتروج لقيم المصلحة الذاتية قبل كل شيء.

هل يفسر ذلك أن العداء الأميركي للعرب والمسلمين ليس لذاتهم وإنما هو عداء مستفحل للإسلام؟

ينبع عداء الأميركيين للإسلام من أنهم يرون فيه العدو المفترض، وأنه السد المانع لعولمتهم الغربية، وتقوم عدوانيتهم على فكرة الإلغاء التي تذكرنا بمزاعم الماركسية بالحتمية التاريخية المادية. ينشر الأميركيون اليوم مزاعم عن حتمية تاريخية مادية تؤدي إلى الرأسمالية الليبرالية، لذلك نقول إن العولمة الأميركية هي مشروع استعماري يحمل في ثناياه التحديات والعدوانية والأطماع كافة، وهي تمثل غزواً لا يكتفي بجانب أو قطاع، وإنما يهدف الى الغزو الشامل للميادين كافة. لذلك، من الضروري أن يقاومها الإسلام ويواجهها ويجابهها لدفع خطرها ووقف اغتصابها للحقوق، ويعطل محاولاتها ضرب الهوية الثقافية للشعوب في مقدمها الإسلامية والعروبية، ويبرز مسألة أن العولمة الأميركية تنشر ثقافة استهلاكية تهدر ثروات الأمة العربية لتصبح سوقاً ومنجماً للغرب، وأن قيم الاستهلاك من دون تخطيط لتطوير الإنتاج هدر تنهي عنه قيم الإسلام.

تسعى الولايات المتحدة الى نشر سلوك عماده حالات شعبية متدنية في مستواها، وأوجدت لها بواسطة صناعتها الإعلامية سلطاناً لدى المنبهرين بـ»الأمركة» و{الغربنة»، والذين تولد لديهم، بحسب تعبير مالك بن نبي، قابلية استعمارية دفعتهم إلى استدعاء ثقافة متدنية تسهل للعولمة أو الأمركة وتضرب هوية الأمة الثقافية بكل قيمها.

في ظل تلك الأطروحات، ما هي مقترحات مواجهة العولمة أو «الأمركة»؟

واجبنا العمل على تصحيح مفهوم عالمية الإسلام، ليس بالإكراه بل بالتفاهم الجماعي، على قاعدة الحكمة والموعظة الحسنة من جهة، وعلى عدم الإكراه من جهة أخرى. يشكل التشبث بالهوية الثقافية والتحصن بالحصن الثقافي العامل الأقوى في المواجهة، ومهمتنا أن نبرز معالم الهوية الإسلامية المؤمنة التي تقوم على قاعدة التسامح وقبول الآخر إذا كان لا يمارس العدوان علينا، وفي المقابل رد كل عدوان على الدين أو الثقافة أو الأرض والمقدسات.

في مسألة القبول، لا بد من التنبه إلى إبراز معالم الثقافة الإسلامية، وتشكل الأسرة المصنع الأساسي للأجيال وتكوينها الثقافي، ففي رحابها يتربى النشء على العقيدة والمبادئ والقيم، ويتعلم في ظلها الانتماء، أي يتعرف الى الهوية الدينية والوطنية، ثم تكمل المدرسة المهمة. يلاحظ أن ثمة سيطرة على قيم الأسرة الإسلامية - العربية من قبل الوافد الغربي الأميركي وهو أمر خطير، لأن مفهوم الأسرة لديه تلاشى ولا جدوى من الأخذ بمفاهيمه وقيمه في هذا الباب، لذلك من الواجب الحفاظ على الأسرة تكويناً وقيماً وروابط. من هنا، باتت مسألة تنظيم الدعوة الإسلامية على أساس السماحة ضرورة، كذلك تعزيز الاجتهاد والتجديد في الفقه، لنتمكن من استيعاب المستجدات، مع التخلص من فكرة الفرقة الناجية التي يزعم البعض أنها المجموعة التي ينتمي إليها، فتقوده إلى نظرية «شعب الله المختار»، ما يدفعه إلى الاستعلاء والانعزال ويؤخذ سلوكه حجة وذريعة ضد الدين.

تنشر العولمة فلسفة الاستهلاك لتحوِّل الشعوب التي تغزوها، ومن بينها العرب والمسلمين، إلى أسواق لمنتجاتها، ما يملي علينا تقنين الاستهلاك على قاعدة قرآنية جاء فيها «ولا تنس نصيبك من الدنيا»، وفي ذلك الواجب تتحول الجهود إلى الإنفاق الإنتاجي، وعماده توظيف الأموال والثروات في مؤسسات إنتاجية، تعزز إمكانات الأمة وتحقق الاستقلال الاقتصادي، ولا نقول الإنعزال الاقتصادي. الى ذلك، لا بد من صياغة مشروع إعلامي، إيماني المنطلقات، إنساني التطلعات، يناسب دورة ثقافية تلتزم بضوابط الشريعة وثوابتها، في هذه الحالة يحتاج الإنتاج الإعلامي إلى أن نقدم لمجتمعاتنا ما يناسب حضارته، ونقاوم الغزو الإعلامي الذي يسوِّق مشاريع جماعة العولمة، من دون تجهيز البدائل نكون تركنا فراغاً يسمح للغرب بضرب الهوية الثقافية للأمة.

هل أصبح الأمن الثقافي الإسلامي مهدداً أمام طوفان العولمة؟

يشكل اختلاف القيم بين المسلمين وبين غيرهم في كثير من بلاد العالم معضلة دولية تهدد الأمن الثقافي لمجتمعنا، نتيجة التحول إلى قرية كونية. يتطلب هذا الوضع الجديد، الذي ألغى الحدود الجغرافية، من المسلمين وعياً بالقيم الوافدة المرفوضة شرعاً والعمل على تدارك أخطارها، بالتطور التكنولوجي لتتبع نوافذ الاختراق لأمننا الثقافي، وتتبع التطور الذي تمر فيه تلك النوافذ المعلوماتية.

نملك قيم العدل والحرية وحقوق الإنسان المؤهلة لإنقاذ البشرية من معاناتها في ظل انتشار القيم المادية وقيم الغرب والأمركة الاستعمارية، لكن المبادرة إلى أخذ الدور تحتاج مجهودا كبيرا لا بد من أن تتضافر فيه الجهود، وتنشأ صيغ التكامل والتعاون بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية وبين الحكومات لنرد التحديات، ونحتل المكانة المناسبة لديننا وقيمنا الحضارية، وفي ذلك مصلحة للبشرية كلها. مع أن قضية «الخصوصية الثقافية» احتلت حيزاً مهماً من الخطاب الفكري الإسلامي المعاصر، إلا أنها لم تشكل تحدياً كبيراً للمسلمين في بلادهم، ففرض الثقافات بالقوة ثبت فشله، ولنا في تجربة الاتحاد السوفياتي السابق في القرم والقوقاز وآسيا الوسطى عبرة. كذلك، لم تفلح المزاوجة بين غطرسة القوة المفرطة وتسريب القيم في إزاحة الثقافات المحلية أو التعمية عليها وتقدم التجربة الأميركية الراهنة شاهداً جلياً ودليلاً دامغاً على ذلك، أما التغيير الطوعي والتدريجي، الذي يمكن أن تحدثه الدعوات والتبشير الديني أو الاحتكاك الطويل بالمجتمعات الأخرى، فهو الأكثر وقعاً وتأثيراً في المضمار.

باتت قضية الخصوصيات الثقافية تشكل تحدياً كبيراً بالنسبة الى المسلمين المقيمين في بلاد الغرب، اذ يتمسك كثيرون منهم بخصوصياتهم إلى حد مذهل، وإلى درجة تضر أكثر مما تفيد، لأنها تمنعهم من التفاعل الخلاق مع البيئة المحيطة بهم، وهو أمر يشجع عليه الإسلام ذاته، سواء في نصه، أو في التجربة التاريخية للمسلمين الأوائل. يحتاج هؤلاء إلى خطاب فكري إسلامي أكثر قدرة على التعاطي مع واقعهم الجديد، في ظني أن مثل هذا الخطاب، إن اشتد عوده، سيمثل إضافة مهمة في حل الإشكالية القائمة بين «الخصوصيات الثقافية» و{العولمة»، وقد يعيد في إطار «حوار الحضارات» طرح قضية «العالمية» بشدة، ليحض على التفاعل البناء والإيجابي بين أجزاء سكان الأرض برمتهم، من دون مآرب استعمارية تقوم على الاستغلال والنهب والاستعلاء.

هل يعني ذلك إمكان قيام حوار حضاري بين الثقافات والشعوب على الرغم من الظروف المعاصرة؟

يجب عدم اقتصار حوار الحضارات على تبادل الخطب والبيانات بل وضع برنامج للعمل، ولا بد من التفرقة بين النظرية والتطبيق، والإشارة إلى عدم ملاءمة المقارنة بين أحكام الدين الإسلامي وما يمليه من منظومة قيمه من جهة، وما يجري تطبيقه على أرض الواقع في العالم الإسلامي راهناً من جهة ثانية، والتأكيد على حقيقة أن الحضارات ليست كيانات جامدة بل هي حركة ديناميكية مستمرة تتخللها عمليات تغيير وتأقلم ونقد ذاتي من الداخل بهدف التحول إلى الأفضل.

ثمة مهمة مزدوجة للحوار، فهو يؤدي دور المرآة التي تساعد أبناء كل حضارة على معرفة أنفسهم وفهم حضارتهم بشكل أفضل من جهة، ويشكل نافذة تطل على الآخر من جهة أخرى، سعياً إلى فهم أفضل له يتسم بالموضوعية.

لم ينقطع حوار الحضارات منذ تكوُّن الجماعات الإنسانية الأولى، ثم حين قامت الدولة الحديثة. إلا أن ما ميزه في النصف الثاني من القرن العشرين هو ظاهرة العولمة التى أوجدت واقعاً جديداً يتعين توجيهه لتحقيق التقارب بين الشعوب، لأن من شأن تركه على حاله، جعل قوى ومصالح سياسية واقتصادية توجهه لصالحها. كذلك لا بد من أن يتخلى الحوار عن هدف إقناع الآخرين بالانقطاع عن انتمائهم الحضاري أو خلعهم منه،لأن ذلك ليس حواراً بل سعياً لهيمنة ستدفع الآخرين إلى المقاطعة أو الدفاع الأعمى عما لديهم، ويجب الاقتناع بأن التعددية الثقافية جزء من سنن الكون، ويعتبر السعي إلى القفز عليها بمثابة حركة ضد التاريخ، بما يتطلب الاعتراف بوجود الآخر واحترامه والإيمان بأن الحكمة ليست حكراً على ثقافة بعينها.

يجب أن يهدف الحوار إلى البحث المشترك وليس البحث عن عناصر الخصوصية وعناصر الاختلاف في ضوء الأخطار المشتركة التي فرضها التطور مثل العنف والإرهاب، وتدمير الموارد الطبيعية والأمراض الجديدة وتهديد مؤسسة الأسرة وخطر استخدام أسلحة الدمار الشامل.

يدعو بعض الذين يعيشون بين المسلمين إلى توقُّف العقل عن الاجتهاد والاكتفاء بالنقل، ما تعليقك على ذلك؟

أحذر من دعاة الجمود الفكري تحت ذريعة عدم السقوط في البدع وأؤكد أن الحاجة باتت ماسة إلى إعادة النظر في قضايا عدة، منها: موقع العقل من النقل، الدين الإسلامي يخاطب العقل، إسقاط الأخير ليس من الدين، فقد قال تعالى: «أفلا يعقلون» و{أفلا يتذكرون»، الأمة الإسلامية غنية بأبنائها النوابغ والمبتكرين في شتى المجالات، الإسلام هو الدين الذي حرر العقل وصنع العقلية العلمية، ومن يقرأ القرآن ويتدبر معانيه يجد أنه منشئ العقلية العلمية التي ترفض الظن في موضع اليقين وترفض الأهواء والعواطف.

رأيه في مقولة «التناقض بين العروبة والإسلام»

ما من تناقض بين العروبة والإسلام، وأي هجوم على العروبة في محتواه هو هجوم على الإسلام وحضارته، لم يقطع هذا الأخير صلة المسلمين بالدنيا التي حولهم ولا قبلهم، يقول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة وخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا». تحتاج الحضارة في نشأتها إلى مرحلة إعلان للمبادئ وتحديد الهوية وتشخيص معالم التميز والخصوصية، وتكون تلك الحاجة عند مولد الحضارة أو انفصالها عن حضارة أخرى، فيشتد الحرص على رموز التميز، وهو يتطلب التوازن بتوكيد العناصر المشتركة التي تعتمد على التواصل وتفتح عقول الناس وقلوبهم أمام دعاة الحضارة الجديدة، لأنه ما من تناقض بين الإسلام والعروبة، بالتالي لا تناقض بين الإسلام والقومية. القومية واقع خارجي والإسلام دعوة شاملة ونظام يستوعب الحياة، ولا معنى للحديث أصلا عن تناقضهما أو توافقهما، فما كتب ويكتب عن القومية العربية والإسلام وعن المواقف التي اتخذها المفكرون والساسة المصلحون والتصنيف إلى دعاة قوميين أو دعاة إسلاميين لا أساس له من الصحة.

back to top