من الواضح أن الخطوط الحمراء الكثيرة التي كانت توضع من قبل الحكومة تجاه المساءلة قد تحولت إلى اللون الأخضر، ولم يتبق منها إلا مساءلة رئيس الوزراء شخصياً، وبما أنه تم تسجيل أن رئيس مجلس الوزراء ليس بمنأى عن المساءلة السياسية فإنه من التعنت الإصرار على تفعيل هذه المساءلة.
يُروى في قصص الأمثال الشعبية أن امرأة سُرق منها ذات يوم بعض الحلي الذهبية، فذهبت إلى «فتّاح الفال» ليكشف لها عن السارق، فطلب منها «فتاح الفال» بعض المال وديكاً سميناً، أوهمها أنه يريد أن يعزم عليه «ملك الجن»، فجاءته المرأة المسكينة بديك سمين، كانت تربيه في بيتها، فأخذه «فتّاح الفال» منها ووعدها خيراً، ثم إن «فتّاح الفال» أخذ الديك إلى بيته وذبحه وأعد منه مرقاً دسماً له ولعائلته، وبعد مدة عادت المرأة صاحبة الديك ومعها امرأة أخرى كانت صاحبة لها، فلما رآهما «فتّاح الفال» قال من بعيد «إذا هذي مثل ذيك خوش مرقة وخوش ديك»، ولما اقتربت المرأتان علم «فتّاح الفال» بصواب ظنه فطلب من المرأة الأخرى كذلك ديكاً كبيراً ليعزم عليه «ملك الجن»، وتكرر المشهد مع المرأة الجديدة، واشتهرت القصة بين الناس وصارت مثلاً لمن يكرر نفس الأخطاء في كل مرة.هذا المثل ربما ينطبق على الحكومة المنتظرة، فإذا التشكيلة الجديدة للحكومة جاءت على شاكلة التشكيلة القديمة، فمقولة الديك بالتأكيد سوف تنطبق عليها «هذي مثل ذيك»، وبالتالي سوف تلاقي نفس مصير سابقتها، والأمر لا يحتاج إلى «فتاح فال» لمعرفة سبب فشل الحكومة السابقة وما قبلها.العلة الأساسية في الحكومات المتعاقبة هي في كونها حكومات أقطاب، حيث يديرها أقطاب لا يتجاوز عددهم الثلاثة، بينما يكون بقية الوزراء مجرد تكملة عدد، وفي القرارات المصيرية يكون هؤلاء آخر من يعلم، نعيد ونكرر أن المطلوب اختيار وزراء أكْفَاء– وليس أكفّاء بتشديد الكاف- يعينون رئيس مجلس الوزراء، ولا يكونون عبئاً عليه، ولكن هذه المسؤولية مسؤولية رئيس الوزراء أولاً وأخيراً.في المقابل على أعضاء مجلس الأمة أن يتحلوا بنوع من الحصافة والحكمة، فالاستهداف المباشر لرئيس مجلس الوزراء قد لا يكون في محله إذا لم يكن هناك أمر يستحق بالفعل مساءلته شخصياً كما كانت الحال في موضوع الدوائر، وبدلاً من ذلك يمكن استجواب أي وزير يُخلّ أو يُقصّر في عمله.ومن الواضح أن الخطوط الحمراء الكثيرة التي كانت توضع من قبل الحكومة تجاه المساءلة قد تحولت إلى اللون الأخضر، ولم يتبق منها إلا مساءلة رئيس الوزراء شخصياً، وبما أنه تم تسجيل أن رئيس مجلس الوزراء ليس بمنأى عن المساءلة السياسية فإنه من التعنت الإصرار على تفعيل هذه المساءلة، خصوصاً إذا كان التعسف واضحاً فيها كما حدث في استجواب وليد الطبطبائي وزميليه.مساءلة رئيس الوزراء حق دستوري، ولكن قد يحتاج الأمر إلى بعض الوقت لكي يتم القبول بذلك عملياً... طبعاً هذا إذا لم يكن هناك أجندات خفية لبعض النواب تستهدف رئيس الوزراء وصولاً إلى مآرب أخرى، وهو ما يكثر الحديث عنه في الأوساط السياسية، والقول المتداول بأن عمر الحكومة الجديدة لن يطول أكثر من ثلاثة أشهر، وأنها سوف تكون حكومة الحل غير الدستوري.الأوضاع السياسية الحالية لا تدعو إلى التفاؤل بقدوم حكومة قوية قادرة على التعاطي مع مجلس الأمة على ما فيه من شطحات، ولذلك فإن المشهد السياسي برمته مازال غامضاً وملبداً بالغيوم وينبئ بعواصف رعدية ممطرة وقانا الله شرها.
مقالات
خوش مرقة وخوش ديك
23-12-2008