مرت علينا يوم أمس الذكرى السادسة والأربعين لوضع الدستور، وهي المناسبة التي تكون محل احتفال رسمي وشعبي في الدول الديمقراطية جميعها، كونها احتفاء بذكرى ميلاد الوثيقة الأهم في النظام الديمقراطي، والتي ترسم حدود العلاقة والصلاحيات لكل سلطة.

Ad

في هذا العام، وجدنا الحكومة تزداد ضعفا وتخبطا، والبرلمان يزداد انبطاحا ناحية السلطة، وبلغت الصراعات السياسية مداها، فاستنزفت القوة التي كفلها الدستور للسلطات، وغلب على العمل السياسي المجاملات والترضيات والمحاصصة، فازدادت الأزمة التي نعيشها عمقا.

مشكلتنا في الكويت أننا حتى الآن لانزال نراوح في المربع الأول، وفي الوقت الذي نحتفل فيه بمرور 46 عاما على وضع الدستور، نجد أنفسنا خلال هذا الأسبوع نعاني مغامرات عدد من أبناء الأسرة الحاكمة، وأشير إليها هنا على أنها رأس الجبل الجليدي فيما يتعلق بعلاقة المؤسسات بالدستور، إذ صدر أول من أمس حكم قضائي يدين مدير عام «كونا» الشيخ مبارك الدعيج بتهمة ضلوعه في إعلان الأهرام الذي اتهم النواب بأنهم يعطلون التنمية وأنهم وراء التأزيم.

المؤلم أن الحكم الصادر بحق الشيخ مبارك أتى متزامنا مع تصريحات الشيخ طلال الفهد على خلفية قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم تجميد نشاط الكويت الكروي، وتواءم الحدثان مع استمرار تخبط حكومة الشيخ ناصر المحمد في معالجة الأزمات التي تتعرض لها البلاد، وآخرها سحب الجنسية من عدد من الأشخاص فيما اعتبر صفقة تمت في الخفاء لثني النائب أحمد المليفي عن تقديم استجوابه بحق الشيخ ناصر.

خلال عام واحد شهدت الكويت 12 أزمة متلاحقة، بواقع أزمة لكل شهر، فقد فتحنا في نوفمبر الماضي ملف الكوادر، وبعده كانت معركة القروض، ثم استجواب وزيرة التربية، فمعركة التأبين، وفي مارس حُل مجلس الأمة، فدخلنا في نفق الفرعيات، وبعده أخطاء الجمع يوم الانتخابات، ثم تشكيل الحكومة، وفي يوليو شهدنا إضرابات العمالة، وبعده عاد النواب إلى تصريحاتهم النارية خلال الإجازة، وفي سبتمبر رفع الشيخ خالد الأحمد وثيقته، أما الشهر الماضي فبدأ بتداعيات الأزمة العالمية على الكويت، وانتصف على تجميد نشاط الكويت الكروي، وانتهى بتهديد باستجواب رئيس مجلس الوزراء، ويبدو أن الشهر الجاري يأبى أن ينقضي دون أن نشهد خلاله تداعيات أزمة منح وسحب الجنسية.

كانت هذه حصيلة أزماتنا خلال عام واحد، بينما كانت دول الخليج في هذا الوقت تتنافس في ما بينها على الإمساك أطول مدة بقصب السبق التنموي، وحتى لا أحمل المجلس وحده مسؤولية التعطيل، أذّكر بأن الكويت شهدت، خلال عهدها الدستوري الممتد ستة وأربعين عاما، 12 برلمانا منتخبا، قابلها 25 تشكيلا حكوميا، أي الضعف زائد واحد، مع الأخذ في الحسبان السنوات العشر التي تعطل خلالها العمل بالدستور بين الأعوام 1976- 1980، و1986- 1992، ناهيك عن محاولة تنقيح الدستور، وتزوير نتائج انتخابات مجلس 1967.

مزعج حقا أن نراوح حتى الآن بعد 46 عاما في المربع الأول، ونتساءل عن جدوى الدستور، ونتناسى أن السلطة هي من تفرغت لضرب الديمقراطية، وساهمت الحكومات المتعاقبة بالتردي الذي بلغناه اليوم، لكن مع كل ذلك، وجدنا الأمل أمس متجسدا بتجمع صوت الكويت، الذي احتفى بذكرى وضع الدستور بطريقته، فأكد لنا أننا نسير على الطريق الصحيح، وأن بيننا فرسانا يحملون الكويت في قلوبهم، ويحاولون رسم مستقبلنا بأشعة نور تعيننا على مواجهة قوى الظلام.