بين أردوغان الحر... والعرب المستسلمين
من يكن حراً ويحترم شعبه يعامله الآخرون كند، أما من ارتضى طريق الذل والهوان ولا يحترم شعبه ولا توجد محاسبة شعبية لتصرفاته، فيتعامل معه الآخرون كتابع، ولذلك لن يحترم الرئيس الأميركي الجديد مطالب العرب «خصوصا إزاء فلسطين» لأن الأنظمة العربية قررت الجري وراء عملية الاستسلام.لم تكن حادثة انسحاب رئيس الوزراء تركيا رجب طيب أردوغان من مؤتمر دافوس مجرد حادثة تحسب لمصلحته لأنه أظهر شجاعته فيها، بل إنها تعتبر ملخصا واضحا لما يجري على أرض الواقع من أحداث، ورسمة جميلة تبين الطريق الذي يجب أن تسلكه الأمم لاستعادة حقوقها والحفاظ على كرامتها.
فأردوغان يرأس حكومة دولة تعترف بإسرائيل ولها تبادل دبلوماسي معها، وقد تكون هذه العلاقة مستمرة إلى الآن بسبب اقتناع حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية، بهذه العلاقة أو بسبب تأثير العسكر الدكتاتوري في هذا الشأن، وأياً كانت أسباب استمرار العلاقة فإنها لم تمنع أردوغان من اتخاذ موقف صارم حيال لغة بيريز المتعجرفة، فأجبر مدير الحوار على إعطائه وقتاً إضافياً وانسحب بعدها احتجاجاً على مقاطعته وإعطاء بيريز وقتاً أطول للحديث.فأثبت أردوغان بأنه رجل حر يحسب حسابا لملايين الأتراك الذين «انتخبوه» ويدرك بأنه يجب عليه مراعاة الرأي العام التركي حيال هذه القضية، ولذلك سارع بيريز «الذي يكبر أردوغان بـ31 عاما» إلى الاتصال به والاعتذار منه لأن الأول أدرك أن الأخير رجل حر، وليس مسيراً كما هي حال الكثيرين، مع أننا قلما نجد الصهاينة «بصلافتهم المعهودة» يعتذرون من أحد. أما الوجه الآخر للحادثة فهو وقوف عمرو موسى لتحية أردوغان على انسحابه، ثم وقف حائراً لا يدري ماذا يفعل فأشار له بان كي مون بالجلوس كما يشير الأب إلى طفله! والأغرب من ذلك هو قبول موسى الجلوس مع رئيس كيان تلطخت يداه بدماء أطفال ونساء وعموم أبرياء غزة للتو، وكأن شيئاً لم يكن! والأغرب من هذا وذاك تمسكه في تلك الجلسة بخطاب مائع لايزال يستجدي ويتوسل السلام بعد كل الاستحقار الذي مارسه هذا الكيان الغاصب مع المبادرة العربية طيلة السنوات السبع الماضية التي زاد فيها القتل والاعتقالات والاستيطان ومصادرة الأراضي! وإزاء هذا الخطاب الانهزامي، لم يكن مستغرباً أبدا أن يتكلم الإرهابي بيريز بكل عنجهية وكأنه لم يقترف أي جرم، بل استهزأ بخطاب موسى بطريقة غير مباشرة، ولهذا لم يعر بيريز أي اهتمام لموسى الذي من المفترض أن يمثل وجهة نظر الأمة العربية ذات الـ300 مليون عربي على الأقل، بينما سارع بالاعتذار من أردوغان الذي يمثل 75 مليون تركي! هذا هو المشهد يا أعزائي القراء، فمن يكن حراً ويحترم شعبه يعامله الآخرون كند، أما من ارتضى طريق الذل والهوان ولا يحترم شعبه ولا توجد محاسبة شعبية لتصرفاته، فيتعامل معه الآخرون كتابع. ولذلك لن يحترم الرئيس الأميركي الجديد مطالب العرب «خصوصا إزاء فلسطين» لأن الأنظمة العربية قررت الجري وراء عملية الاستسلام والانبطاح دون الحصول على ثمن لذلك، وحتى دون التلويح بخيار آخر، فمن أمن العقوبة أساء الأدب. والمصيبة أنهم مازالوا يصرون على مبادرتهم التي داس عليها الصهاينة منذ سنوات بالرغم من الدم الطاهر المسكوب في غزة بحجة عدم وجود البديل! وصدق المتنبي حين قال: من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميت إيلام