في شهر ديسمبر من عام 1964، قطع أمير البلاد -حينئذ- عبدالله السالم اجازته وعاد الى البلاد ليواجه ازمة سياسية عاصفة، كادت ان تودي بالنظام الدستوري برمّته، بما اشتُهر باسم ازمة المادة 131 من الدستور.

Ad

فبعد ازمات متكررة داخل الحكومة وخارجها، ووسط تباينات حادة داخل الاسرة الحاكمة بشأن موقفها من الدستور، واستقالة البعض نتيجة ذلك، تم تشكيل حكومة جديدة، لكن حراكا سياسيا ملحوظا اشترك في بعض جوانبه بعض افراد الاسرة الحاكمة، ادى الى رفض ما يقارب 31 نائبا الدخول الى جلسة مجلس الامة، التي كان من المفترض ان يؤدي الوزراء الجدد فيها اليمين الدستورية، وقد ادى ذلك الفعل الى عدم تمكن الوزراء من اداء اليمين بسبب عدم اكتمال النصاب لتلك الجلسة.

كان الصراع سياسيا، ولكن كان لابد من ان توضع عليه بهارات دستورية، فأعلن المنسحبون أنهم يرون في تعيين بعض الوزراء مخالفة للمادة 131 من الدستور، وهي المادة التي تشترط عدم جواز الجمع بين الوزارة والتجارة.

كان الشيخ عبدالله السالم يدرك جيدا ان الازمة ليست في الدستور، وكان يدرك طبيعة مراكز القوى بما فيها بعض افراد الاسرة الحاكمة التي حركت تلك الازمة، ومع ذلك فقد كان عليه ان يتعامل مع طلب رئيس الوزراء الرسمي حل مجلس الامة من خلال اعلان عدم تعاون حكومته مع المجلس.

وإدراكاً منه لتلك المعطيات، طلب الشيخ عبدالله السالم من رئيس وزرائه تشكيل حكومة جديدة، ولم يستجِب إلى طلبه حل مجلس الامة، وربما كان بإمكانه حل مجلس الامة، بل ربما كان بإمكانه ايضا تعليق الدستور لفترة من الزمن لمزيد من الدراسة، لكنه كان يدرك أن الازمة كانت مُفتعلة.

كان واضحا استياء الشيخ عبدالله السالم مما كان يجري، حين ألقى بيت الشعر الشهير في افتتاحه جلسة مجلس الامة:

تُهدى الأمور بأهل الرأي ما صلُحت

فإن تولت فبالاشرار تنقاد

وظل يكرر بيت الشعر ذاك، مشيرا بإصبعه الى الحضور حكومة ومجلسا.

لا اعرف حقا، من هم اهل الرأي الذين قصدهم الشيخ عبدالله السالم حينئذ، ولا اعرف من هم الاشرار تحديدا، ولا اظن ان ذلك الامر مهم في هذه اللحظة التي نمر فيها بأزمة واحتقان سياسي تبدو بوادره متجهة اتجاها قد يدمر المجتمع، ولا اظن انه مفيد على الاطلاق الخلط بين تدني مستوى الاداء وعدم الرضا عن مجلس الامة، والقفز الى الهاوية بالحديث عن الانقلاب على الدستور كمخرج من هذا المأزق، فهو امر -إن حدث- فإن عواقبه الوخيمة لا تحتاج الى مزيد من الأدلة، خصوصا في ظروف اقليمية بالغة الدقة قد تكون انعكاساتها أكبر وأخطر علينا مما يظنه المغامرون بمستقبل البلاد.

لقد أثبت الدستور صلابة وفاعلية وقت الأزمات وجمع الناس إبان الغزو، كما كان نقطة الالتقاء المنيعة أثناء فترة ازمة الحكم، وحاز فيها صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد -حفظه الله- على اجماع شعبي غير مسبوق في المنطقة. وفي المقابل اثبتت تجارب الانقلاب على الدستور ان نتائجها كارثية، فهل نحن في حاجة الى مزيد من الكوارث؟