ثمة انتخابات رئاسية تنتظر إيران في حزيران/يونيو المقبل، وثمة جدل يدور في أروقة النخبة لا يتوقف فيما إذا كان من المطلوب تغيير الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد بآخر من جنس مختلف لا ينتمي بالضرورة إلى ما يسمى بالإصلاحيين، لكنه يفتح صفحة جديدة تقطع مع لغة الخطاب «الراديكالي» التي عود نجاد شعبه والعالم على سماعها خلال السنوات الأربع الماضية. والحجة الظاهرة في شبه الإجماع المتشكل لدى الطبقة السياسية التقليدية حول ضرورة ما يسمونه بإقصاء أحمدي نجاد عن فرص النجاح لدورة ثانية هي ذلك القول الذي بات شائعا بأن أحمدي نجاد لم يعد يمثل أيا من الاتجاهات الرئيسة التي تتقاسم الخريطة الحزبية في البلاد في صورة أحد المعسكرين الرئيسين اللذين يعرفان مجازا بالمحافظين والإصلاحيين.
وإذا كان ثمة من يراهن من النخب المترددة بأنه لا أحد يستطيع أن يجزم منذ الآن من هو اسم الرئيس الذي ستفرزه صناديق الاقتراع يوم الثاني عشر من حزيران/يونيو القادم حتى يعلن مساندته المبكرة للرئيس الحالي باعتبار أن الجمهور الإيراني هو جمهور اللحظة الأخيرة، فيما يراهن آخرون بأن ورقة أحمدي نجاد لم تعد مغرية لأي تيار من التيارات الحزبية محافظة كانت أم إصلاحية، وبالتالي فهو يكاد يقطع بأن اسم الرئيس المقبل لن يكون أحمدي نجاد، إلا أن ثمة من يقطع من جمهور العامة وأقلية من النخبة بأن الرئيس المقبل لن يكون سوى محمود أحمدي نجاد. وقد يكون هنا بالضبط بيت القصيد فيما ينبغي شرحه حول الوجه الآخر للرئيس محمود أحمدي نجاد.ففي مرحلة ترشحه للدورة الأولى لم يكن أحمدي نجاد يملك من أوراق تؤهله للنجاح سوى كونه قادما من خارج دائرة الطبقة السياسية التقليدية التي اعتاد النظام أن يتداولها في الانتخابات، ولما كان يومها أشبه من جاء يغرد خارج السرب فقد كان شعاره السحري: رجل من جنس الناس. وقد فاجأ يومها الخاصة والعامة من كلا التيارين الرئيسين المحافظ والإصلاحي بتأهله إلى المرحلة الثانية متجاوزا التوقعات واستطلاعات الرأي التي غالبا ما تجريها دوائر النخبة النتقليدية، ولكن «الضربة القاضية» كانت عندما تأهل للرئاسة في انتخابات المرحلة الثانية متخطيا أكبر هاشمي رفسنجاني، رجل النظام الأهم والأكثر ثقلا في المسرح العلوي لمؤسسة القيادة بعد مرشد الثورة الإسلامية.هذا الرجل «من جنس الناس» لم يكن يومها كما الآن يعبأ كثيرا لا باستطلاعات الرأي النخبوية ولا بالتشكيلات الحزبية، ولا حتى بما كان ولايزال يعاب عليه من لغة الخطاب أو المظهر العام والذي لطالما تم «شرشحته» بسببهما في أساليب الدعاية الناقدة له كما في وسائل الإعلام المخاصمة أو المعادية. ما سأقوله ليس دعاية انتخابية للرجل، لكنها الحقيقة التي جعلته متميزا عن سائر أفراد الطبقة السياسية التي تداولت كرسي الرئاسة حتى الآن:فالرجل هذا وعندما عير من قبل أحدهم غداة المعركة الرئاسية الأولى بأنه لا يشبه في شكله وحلته شكل أو حلة رئيس الجمهورية، قال بكل اعتداد وثبات ومتانة بأنه ليس مرشحا للرئاسة حتى يستحي من شكله بل هو مرشح لمنصب الخادم، أي الخادم للشعب وبالتالي فهو يعتقد أن شكله يناسب تماما مع ما هو مطلوب من مؤهلات لمنصب المتنافس عليه من وجهة نظره. هذا الرجل هو نفسه اليوم تراه غير متأثر مطلقا باصطفافات الأحزاب والتيارات الحزبية بمحافظيها وإصلاحييها من حوله، وتراه هو هو كما كان في اليوم الأول لترشحه للولاية الأولى لم يزد كيلوغراما واحدا على وزنه إن لم يكن قد نقص.قد يكون العقل الجمع الإيراني التقليدي لا يستوي أمره مع محمود أحمدي نجاد رئيسا بالفعل، وقد تكون الطبقة السياسية التقليدية تستنكف منه ممثلا لعامة الناس في الموقع التنفيذي الأهم في سلم الحكم في بلادها، وقد تكون المعادلة الإقليمية والدولية اليوم بحاجة إلى رئيس لإيران يتكلم بلغة خطاب و«هيبة» غير هيبة أحمدي نجاد كما يعلل ويجادل منتقدوه ومخاصموه، وقد نكون مختلفين معه في رؤيته وقراءته للعديد من أمور الداخل الإيراني وخارجه، لكن الرجل أثبت حقا بأنه خادم مخلص لشعبه وقضية أمته، وقد يكون سابقة قابلة لأن يشكل محطة تأمل لنا جميعا في ما إذا كان على الرئيس والزعيم والحاكم المطلوب أن يكون من جنس الناس بالفعل أم من جنس آخر؟! إنها إيران التي لخصتها يوما بأنها: «الكتاب المفتوح المليء بالأحاجي والألغاز» وإنه الشعب الإيراني الذي يعشق هدف الدقيقة تسعين، كما يصفونه في سياقات المقارنة مع لعبة كرة القدم، وإنها الطبقة السياسية الإيرانية المتمكنة من دبلوماسية حياكة السجاد كما وصفتها، فهي تقف اليوم أمام الامتحان والاختبار من جديد لتنتخب الرئيس العاشر لإيران في ظل تجديد مستمر للدماء قل نظيره في عالم الشرق البديع والواعد بانتصار العقل والقلب والدين على عبثية الغرب الاستعماري. * الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
الانتخابات الإيرانية وهذا الرجل من جنس الناس
07-05-2009