ليس هناك أحلى على قلوب «الصهاينة» والأميركيين الذين يؤيدونهم ويتحالفون معهم من أن يكون على رأس الجمهورية الإيرانية ولو شكلياً رجل مثل نجاد الذي لا يتوقف عن نفي وجود «الهلوكست» أصلاً، ويواصل الإعلان تلو الإعلان والتصريح بعد التصريح بأنه سيلقي إسرائيل في البحر، فهذا ما يبرر الدعم الأميركي كله للإسرائيليين، ويبرر أيضاً المذابح التي ترتكب يومياً ضد الفلسطينيين وأطفاله وشيوخه ونسائه.

Ad

بغض النظر عن مدى صحة ما قيل في هذا المجال، فإن مَن حاول اغتيال محمود أحمدي نجاد؛ أولاً في العراق في مارس الماضي ثم بعد ذلك في مطلع هذا الشهر في إيطاليا، لا يعرف بالتأكيد عن تركيبة النظام الإيراني شيئاً، ولا يعلم أن رئيساً في هكذا دولة مركبة بطريقة لا مثيل لها في العالم كله، لا يشكل غيابه لا الجدي ولا السياسي، أي فراغ في السلطة، فالقرارات الحقيقية ليست قراراته. وهذا الرئيس مثل الرؤساء الإيرانيين كلهم الذين تتابعوا بعد انتصار الثورة الإسلامية ومروا على هذا الموقع مرور الكرام، ولم يتركوا أي أثر حقيقي حتى بمن فيهم هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي.

كان آية الله السيد بهشتي هو الوحيد، من بين حلقات هذه السلسلة الطويلة، الذي لو كُتب له أن يعيش أكثر لترك أثراً على الحكم وطبيعته وتوجهاته العامة وحياته، حتى في عهد آية الله خميني، رحمه الله. فالمعروف عن بهشتي أنه كان يتمتع بشخصية طاغية، كان يفرض حضوره بقوة، حتى على كبار قادة الثورة في المعممين، وأنه رجل دولة من الطراز الأول، وصاحب باع طويل في الشؤون الداخلية، وله اطلاع واسع على شؤون العالم وشجونه وربما، يكون ذلك، هو سبب الإسراع في اغتياله وتغييبه!

ولهذا فإنه من المستبعد جداً أن تكون الجهة التي قامت بإحدى هاتين المحاولتين، أو واحدة منهما، هي جهة داخلية إيرانية بالغة وراشدة، هذا إذا كانت هناك فعلاً محاولة حقيقية لاغتيال الرئيس الإيراني.

فالإيرانيون يعرفون حقيقة أن الرئيس، وفقاً لطبيعة نظامهم، لا يقدم ولا يؤخر، وأن تغييبه عن مجريات الأمور المنوطة به دستورياً، سواء جسدياً أم سياسياً، لن يؤثر بأي حال من الأحوال على توجهات البلاد وسياستها. فاللوبي الفقيه الذي هو الآن السيد علي خامنئي هو كل شيء، وهو مرشد الثورة، وصاحب الزمان والقائد العام للجيش والأجهزة الامنية، والمسؤول عن الناس وأحوالهم وأرزاقهم.

ومن المستبعد جداً، أيضاً، أن تكون هذه الجهة المتأمرة الحقيرة، التي وقفت وراء هاتين المحاولتين الدنيئتين المدانتين، جهة خارجية كالولايات المتحدة أو إسرائيل أو إحدى دول الإقليم التي لا تستظل بظل فسطاط المقاومة والممانعة... فهذه الدول يهمها أن يبقى رئيسٌ بمواصفات وبتطرف محمود نجاد في موقعه، وهي تفضل أن يبقى ليُعاد انتخابه ألف مرة، لأنه أفضل سلاح دعائي يمكن استخدامه بنجاعة ونجاح ضد إيران وضد الثورة الإيرانية إن في الغرب، وإن في الشرق، وإن في العالم كله.

ليس هناك أحلى على قلوب «الصهاينة» والأميركيين الذين يؤيدونهم ويتحالفون معهم من أن يكون على رأس الجمهورية الإيرانية ولو شكلياً رجل مثل نجاد الذي لا يتوقف عن نفي وجود «الهلوكست» أصلاً، ويواصل الإعلان تلو الإعلان والتصريح بعد التصريح بأنه سيلقي إسرائيل في البحر، وأن هذه الدولة سيتم إزالتها عن الوجود قريباً، فهذا ما يبرر الدعم الأميركي كله للإسرائيليين، ويبرر كذلك المذابح التي ترتكب يومياً ضد الفلسطينيين وأطفاله وشيوخه ونسائه.

وحسب مستشار الرئيس لـ«الموارد الإنسانية» السيد علي ذبّيحي، الذي من الواضح أن له في اسمه نصيبا وافرا، «إن بعض المجموعات كانت تخطط لاغتيال محمود أحمدي نجاد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في عام 2009»... وهذا هو بيت القصيد فالانتخابات باتت على الأبواب وضمان الفوز فيها يتطلب «سيناريوهات» على هذا المستوى من الإثارة، وعلى المستوى نفسه من الحشد والإثارة لمن يعتقدون مع الرئيس الإيراني أن موعد عودة المهدي المنتظر، قدس الله سره، بات بالفعل قريباً.

في النهاية لابد من الإشارة إلى أن صحيفة «اعتماد ملي» قد تساءلت، حسب «الشرق الأوسط» اللندنية قائلة: بما أن محمود أحمدي نجاد كان قد زار نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، ألم يكن من الأسهل، يا تُرى، على الأميركيين أن يخطفوه على أراضيهم؟

* كاتب وسياسي أردني