آخر وطن 
شاعر السور... وسوار الشعر!

نشر في 01-11-2008
آخر تحديث 01-11-2008 | 00:01
 مسفر الدوسري الشاعر سليمان الهويدي... شاعر مُحاصر بقلبه، متكئٌ دائما عليه، يتبعه أينما جرى، ينسج من أحاسيسه مظلة لا يسير خطوة بدون أن يرفعها فوق رأسه، منحاز لقلبه وما يشع من ذلك القلب.

الهويدي هواوي من طراز نادر، العيون النُّجل تُذهب لُبَّه، وتأسر وجدانه، «القذلة» تحرك لواعجه، يصوغ لأجلها أجمل الكلمات يسرّح بها جدائل محبوبته، عاشق مرهف، لو هبّت نسمة هوى خفيفة، لسلمها أشرعة مشاعره طوعا، وبوصلة مراكبه، واخترع دروبا لا يؤدي مسارها إلى غير عكس اتجاه تلك النسمة، لا يعصي لقلبه هوى، والجميل أن قلبه الشفاف النقي لا يدلّه إلا على المشارب العذبة، ومواطن القطا، وفياض الخزامى، و«الهيرات» الغنية بالمحار وسحر اللؤلؤ.

الهويدي شاعر من البادية، وُلد وعاش في الحاضرة، وشرب من المنهلين، ولهذا تأثير رائع في شعره، انعكس على بنائه الداخلي، فكان شعره متميزا، ورقيقا... نديّا من حيث الجوهر، بعيدا عن صلافة وجلافة الصحراء وجفافها، مع احتفاظه بأخلاق الصحراء الكريمة ونبلها، وخصال فروسيتها وآفاقها الرحبة. أما على صعيد المفردة فكان لهذه النشأة تأثير بالغ في صياغة الصورة الشعرية لدى شاعرنا، وتكوين مفردات القصيدة لديه.

لقد زاوج الهويدي في قصائده بين ملح البحر والنفل، بين المراكب والقطين، بين الشراع السماري وجناح الشيهانة، وطرّز رمال النفود بالأصداف وأعشاب البحر، كثيراً ما نجد البحر والصحراء يتعانقان في قصائد الهويدي، وكثيرا ما نجدهما ممتزجين بلوحاته الشعرية، والتي لا يتقن إبداعها إلا ريشة خلاّقة كـ«ريشته».

غديت مثل اللي يجر المجاديف

تقطّع شراعه وهو قبل سنّان

محمَل عشار وعارضت له صواديف

البحر عالي والهوا صار طوفان.

كما أن الهويدي استخدم مفردات متطورة نسبيا عن تلك المفردات المستخدمة من قبل الشعراء في وقته، فكانت مفرداته أكثر شاعرية وعذوبة.

الناس مثلي ترغب البحر بالصيف

هوى البحر يغري خصوصا مسيّان

أو قوله:

كاملن زينه الصافي وهي تستغلّه

بالعقل والأنوثه والمحاسن فضيعه

لاحظ هنا استخدامه لمفردة «يغري» أو «الأنوثة» على سبيل المثال، مفردات من ثياب الغيم، في وقت كان الشعراء يختارون مفرداتهم من جلاميد الصخر!.

ولأن الهويدي شاعر مطبوع وأصيل ومخلص لموهبته، لم يمتهن الشعر لغرض آخر سوى الشعر، فكان الشعر وسيلته للتعبير، رسم من خلاله حياته بتفاصيلها، الشعر بالنسبة إليه كائن حي يتنفس، يرى، ينمو، يُوْرق، يقاسمه المشاعر، واللحظات، والمواقف، وأظنه يقاسمه حتى «استكانة» الشاي! لذلك نجد أنه حاضر معه في حياته اليومية، وتفاصيل غرامه، وليس من المستغرب أن تجد اسم حبيبته مثلا، أو ملامحها أو بعضا منها.

ولا تجد في شعر سليمان الهويدي تكلفا، بل إنه كالماء الرقراق، صاف، وعذب، وشفاف، وبسيط، مليء بالمشاعر، وبالأحاسيس الفياضة، يبدعه كأنما يقوله كلاماً! مع فارق شاسع بين الكلام وإبداعه الشعري.

لا أعلم إن كانت هناك ثمة جائزة تكريمية تحمل اسم الشاعر سليمان الهويدي أم لا، أو شارع أو حتى «سكة سدّ»، ولكني أعتقد أن هذا الشاعر يستحق الكثير منا لتخليد ذكراه، فهو ليس شاعر السور فقط كما يُطلق عليه، ولكنه أيضا سوار الشعر الجميل.

back to top