قضية البدون ... عار على جبيننا

نشر في 11-04-2009
آخر تحديث 11-04-2009 | 00:00
 لمى فريد العثمان دراسة «عديمو الجنسية في الكويت... الأزمة والتداعيات» للدكتور فارس الوقيان هي دراسة قيمة شاملة وكاملة، تطرقت بشكل علمي للتطور التاريخي للأزمة وآثارها السلبية، ومن ثم قدمت استنتاجات وتوصيات من أجل الوصول إلى حل جذري لهذه الحالة المأساوية التي تتناقض مع الدستور الكويتي والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان... وهي أول دراسة علمية تنشر في هذا الشأن بالرغم من أهمية القضية وخطورتها على أمن المجتمع والدولة وسمعتها الخارجية.

إن مشلكة «البدون» هي مشكلة معقدة ومتداخلة ومتشعبة... حيث مرت بمراحل تاريخية مختلفة، حسب الدراسة، وكانت مرحلتها الأولى هي مرحلة الاعتراف والاندماج بالمجتمع الكويتي، وهي الفترة ما بين 1959- 1986 التي كانوا يتمتعون فيها بحقوق مدنية وإنسانية... فقد أقامت أغلبية «البدون» في الكويت منذ الخمسينيات من القرن الماضي، حيث استثنى قانون الإقامة رقم 17 لعام 1959حسب الفقرة (د) «أفراد العشائر الذين يدخلون الكويت من الجهات التي تعودوها لقضاء أشغالهم المعتادة»... فسمحت لهم الدولة بالإقامة واستثنتهم من القيام بإجراءات الدخول وجوازات السفر... وكانت متسامحة ومنفتحة معهم لدرجة اعتبارهم جزءاً من المجتمع الكويتي، وكانت الدولة في أشد الحاجة إليهم حيث عمل معظمهم في السلك العسكري وكانوا يتمتعون بالحقوق كافة كالتعليم والرعاية الصحية وتوثيق المستندات الرسمية، والحقوق الوظيفية، والتسهيلات الإسكانية وتوفير منازل لرجال الجيش والداخلية بأسعار رمزية، ومنحهم جوازات خاصة (مادة17)، بالإضافة إلى المشاركة في التمثيل الخارجي باسم الكويت.

ولكن برزت مشكلة «البدون» وتعقدت حين أُلغي القانون المذكور أعلاه بمرسوم قانون رقم (41) لعام 1987، ليحرم «البدون» من كل الحقوق والتسهيلات التي كانوا يتمتعون بها، ولتبدأ بها القضية مرحلتها الثانية وهي مرحلة الرفض والإنكار والاتهام التي استمرت إلى الآن، حيث ساهمت الظروف الداخلية والخارجية في صناعتها، وتحول التعامل مع «البدون» في هذه المرحلة تحولاً جذرياً، وتغير مسماهم إلى «مقيمين بصورة غير شرعية»... واتخذت ضدهم إجراءات قاسية ومجحفة جردتهم من الحقوق المدنية والإنسانية الأساسية، وحرمتهم من حق التعليم والتطبيب والتوظيف، ومنعتهم من إصدار شهادات الزواج والوفاة والميلاد، ومارست عليهم ضغوطا نفسية واجتماعية لتضيِّق عليهم، مفترضة أن الفئات جميعها تخفي وثائقها وثبوتاتها الرسمية، الأمر الذي جعل عددا كبيرا من «البدون» يلجأ إلى إصدار جنسيات وجوازات (قد تكون مزورة) لبلدان إفريقية وأميركية جنوبية لم يعرفوها من قبل ليتخلصوا من المعاناة والعذاب اليومي.

والحكومة بتعاملها المطلق هذا، دون أخذ الشرائح المختلفة لـ»البدون» في الاعتبار، تمارس الظلم على الكثير منهم بسبب قلة أتت لاحقاً، وألقت بوثائقها الأصلية لتتمتع بالمميزات، فالشرائح الأساسية لـ»البدون» هي: شريحة أبناء البادية المستثناة من المادة 25 من قانون الإقامة لعام 1959، وأزواج وأبناء الكويتيات المحرومون من حق مواطنة أمهم، وأبناء الكويتية المطلقة أو الأرملة التي هجرها زوجها، والعاملون في السلك العسكري (الداخلية والدفاع)، ورافضو الجنسية الثانية بسبب أحقيتهم للأولى، الأبناء القصَّر المتوفى آباؤهم قبل قانون الجنسية 1959 ولجان 1961، الأشخاص القصَّر غير البالغين قبل إيقاف لجان التجنيس، والأبناء البالغون حين تجنيس آبائهم، وأبناء شهداء الغزو، والمدَّعون أنهم «بدون» في حين أخفوا جوازاتهم ووثائقهم الأصلية التي تثبت مواطنيتهم لدول أخرى.

إن تقاعس السلطة التنفيذية والتشريعية في حل مشكلة «البدون» المأساوية بشكل جذري وسريع ينذر بأزمة اجتماعية تضر بأمن البلد واستقراره، حيث تشير تداعيات هذه القضية إلى ارتفاع معدلات الجريمة والتسول والجهل والأمية والعنف وأزمة الهوية ومضاعفة معاناة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى «البدون» وزيادة مشاكل الاكتئاب والاضطهاد النفسي والأمراض النفسية ونتائجها الكارثية. لذا يجب على المجتمع المدني وجماعات الضغط وجمعيات النفع العام الضغط على السلطتين التنفيذية والتشريعية باتجاه الحل الجذري والعادل لهذه القضية الشائكة من خلال:

1 - إعطاء «البدون» حقوقهم المدنية والإنسانية كاملة (حق العلاج، والتعليم، والوظيفة، والزواج، ورخصة القيادة، وإصدار وثائق رسمية وغيرها) ومنح الجنسية لمستحقيها.

2 - إعطاء المرأة الكويتية حق منح جنسيتها لأبنائها وزوجها أسوة بالرجل.

3 - إلغاء الفقرة الخامسة من المادة لقانون إنشاء دائرة المنازعات الإدارية (رقم20 لعام1981) التي منعت اللجوء إلى القضاء لإثبات الأحقية في الجنسية (تحت مبرر حماية السيادة)، وجعل القضاء يفصل في قضايا الجنسية.

4 - تشريع قوانين واضحة لوضع معايير منح الجنسية بحيث تؤخذ في الاعتبار مصالح الدولة ومفاهيم المواطنة والإنسانية والتنمية المستدامة، كاستقطاب الكفاءات ومن لهم الأحقية في اكتساب الجنسية، وممن قدم خدمات جليلة وغيرها من المعايير.

5 - تنفيذ بنود الاتفاقيات الدولية كاتفاقية عديمي الجنسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومكافحة التمييز ضد المرأة وإعلان حقوق الطفل.

إن واقع «البدون» مؤلم وقصصهم كثيرة تبكي الحجر ويصعب عدها وحصرها... فهي ليست بقصة أو قصتين ولكنها آلاف القصص من المعاناة والعذاب يعيشها حوالي 90 ألفاً من إخواننا «البدون» كل لحظة ودقيقة وساعة. ونحن نتحدث عن إسقاط القروض والعطايا الحكومية وتوزيع 10 آلاف دينار على المواطنين... وننسى أن هناك إخواناً لنا يعيشون بين ظهرانينا في فقر مدقع، ومحرومون من أبسط الحقوق الإنسانية والقانونية والمدنية... إنها وصمة عار على جبيننا. 

back to top