الصفقة السرية... في تسوية أزمة تأبين مغنية!
التحركات الأخيرة، من قبل الحكومة وبعض الأطراف الأخرى بشأن تسوية أزمة التأبين، ليست في إطار الحفاظ على الوحدة الوطنية وترميمها، والتي كانت آخر اهتماماتهم عندما كانت الأزمة في أوجها، بل واضح جداً أنها في إطار صفقة سياسية تبلورت ملامحها منذ أن حُلّ المجلس السابق.
منذ أن انطلقت الشرارة الأولى لحادثة التأبين «المشؤومة»، طالبنا في أكثر من مقال بضرورة تدخل القيادة السياسية لوضع حد لتلك الأزمة، التي أحدثت شرخاً في الوحدة الوطنية، لتفويت الفرصة على مَن يصطادون في المياه العكرة، لدوافع سياسية أو مذهبية، أو حتى شخصية.مازلت عند رأييّ بأن إقامة مراسم تأبين لـ«مغنية» على تراب الكويت كان خطأً سياسياً وقع فيه المؤبنون، بينما كانت ردود الفعل لأغلب رافضي التأبين «خطيئة» عندما أطلقوا العنان لأهوائهم من أجل ضرب خصومهم في السياسة والمذهب والعرق، على حساب وحدة المجتمع وتماسكه، وأمنه، واستقراره، في ظل ظروف إقليمية بالغة الحساسية والخطورة.المؤبنون والمتعاطفون معهم واصلوا حملة عنادهم دفاعاً عن موقفهم ، في حين المعسكر الآخر استغل الحادثة وأقام «البسطات» على أرصفة الشوارع لتوزيع صكوك الوطنية والولاء، يمنحها لبعضهم، ويحجبها عن بعضهم الآخر، كل هذا الشحن الطائفي والاجتماعي «المقيت» جرى والسلطة لم تحرك ساكناً، بل ان تصريحات المسؤولين الحكوميين المتضاربة حول التأبين ومغنية، وبدلاً من أن تسهم في نزع فتيل الأزمة، وجدناها تعقد الأمور وتصب مزيداً من الزيت على نار الفتنة، التي عندما أطلت برأسها حاولنا في هذه الزاوية وعبر عدد من المقالات، أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، وعدم تحميلها أكثر مما تحتمل، بعيداً عن مرضنا الطائفي المزمن «أنا سُني وذاك شيعي». عموماً، إذا ما صحت «التسريبات» الصحافية الأخيرة بشأن تحركات أقطاب، وأطراف حكومية لتسوية تداعيات أزمة التأبين بعد وصول عدد القضايا «المتبادلة» بين المعسكربن والمنظورة أمام القضاء، إلى العشرات، بل ربما المئات، فلابد من التأكيد هنا على جزئية مهمة بالنسبة لي على الأقل، وهي أنني وخلال تلك الأزمة دافعت وبقوة عن النائبين عدنان عبدالصمد وأحمد لاري، ولست نادماً على ذلك، فرغم خطئهما السياسي الذي تجسد في المشاركة في تأبين مغنية، وهما النائبان الممثلان للأمة، فإن ذلك لا يعني تجاهل المواقف الوطنية للرجلين، ودفاعهما المستميت والدائم عن الدستور والمال العام والمكتسبات الشعبية، وهو المحرك الرئيس لدفاعي عنهم، إضافة الى احترامي للمعتقدات الفكرية لهما ولتيارهما ولطائفتهما ككل، فما يعنيني في الأمر هنا كان الخطأ الذي ارتكباه كنائبين، من المنظور السياسي لا المذهبي. على كلٍ، فإن التحركات الأخيرة، من قبل الحكومة وبعض الأطراف الأخرى بشأن تسوية أزمة التأبين، ليست في إطار الحفاظ على الوحدة الوطنية وترميمها، والتي كانت آخر اهتماماتهم عندما كانت الأزمة في أوجها، بل واضح جداً أنها في إطار صفقة سياسية تبلورت ملامحها منذ أن حُلّ المجلس السابق، وتجسدت يوم الاقتراع، وتوجت بتوزير أول شخصية محسوبة على التحالف الوطني الإسلامي، وهو فاضل صفر.يدرك عبدالصمد ولاري قبل غيرهما أن تحركات بعض الأطراف لم تكن لدوافع وطنية بحتة، بل لمصالح شخصية، والمؤسف في الأمر أن شخصاً بحجم ومكانة وتاريخ عبدالصمد تحديداً انقاد خلف هذه التحركات، وركب موجتها لتنسف تاريخه السياسي الحافل، سيما بعد مواقفه الأخيرة في قاعة عبدالله السالم والتي أثارت الكثير من علامات الاستفهام.كنا نتمنى على النائبين «سيد» و«أحمد» أن يثبتا على موقفهما من التأبين، حتى وإن اختلفنا معهما حوله، حينها كانت مساحة الاحترام لهما ستبقى على حالها إن لم تتسع في الأصل، أما وقد دخلا في لعبة مساومة، ودهاليز مقايضة، فإن مصيرهما في النهاية هو «الخضوع» عاجلاً أم آجلاً، حينها لن يحتاجا الى أقلامنا التي دافعت عنهما وقت الشدة، عندما تبرأ منهما أقرب الأقربين. ففي زمن «الخضوع» القريب ستكون هناك آلاف الأقلام التي ستدافع عنهما ، تلك الأقلام التي شككت خلال الأيام الخوالي في ولائهما ووطنيتهما وطالبت باسقاط الجنسية الكوييتة عنهما، أيام ذلك الزمن الجميل الذي كانت فرائص سراق المال العام ترتعد عندما يذكر اسماهما، قبل أن يصبحا اليوم وبعد هذه الصفقة ضمن فريق «المنصة» وتوابعها.