أبعاد ما جرى في صيدنايا!
المصالحة الأخيرة مع الإخوان المسلمين في سورية لو تمت، أو نجحت، لأضاف الرئيس بشار الأسد إلى خطوات الانفتاح الخارجي التي حققها في الفترة الأخيرة القصيرة، انفتاحاً داخلياً تأتي أهميته من أن المجتمع السوري شهد خلال العقدين الأخيرين تحولاً واسعاً ومهماً نحو التدين، وإن لم يتخذ هذا التحول طابعاً تنظيمياً بعد.
قبل ما حدث في سجن «صيدنايا»، بالقرب من دمشق، وأسفر عن قتلى وجرحى من مساجين التيارات الإسلامية لايزال عددهم لم يستقر على رقم محدد بعد، تحدثت معلومات مؤكدة عن بدايات موفقة لمصالحة تاريخية بين جماعة الإخوان المسلمين «السورية» بقيادة علي صدر الدين البيانوني المقيم في بريطانيا، ونظام الرئيس بشار الأسد، تنهي المواجهة التي بقيت متواصلة لنحو أربعين عاماً بين هذه الجماعة وحكم حزب البعث. وهي المواجهة التي بلغت ذروتها في بدايات عقد ثمانينيات القرن الماضي.وحسب هذه المعلومات فإن طرفين هما «إخوان الأردن» وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» قد لعبا دور الوسيط من أجل هذه المصالحة التي يبدو أن دمشق كانت ولاتزال تريدها وتسعى إليها وكذلك الأمر بالنسبة لـ «جماعة صدر الدين البيانوني» التي ضاقت عليها الأرض بما رحبت، ويُنظر إليها على أنها لا تمثل الإخوان المسلمين السوريين كلهم، بل إحدى انشقاقاتهم، وأيضاً لم تعد تجد موطئ قدم لها في أي دولة عربية، وغدت تنظيماً لاجئاً في بريطانيا مثلها مثل بعض تنظيمات المعارضة العربية الخارجية.وبالطبع فإن هذا التطور الذي مرَّ عليه نحو شهر منذ الآن قد أزعج السيد عبدالحليم خدام الذي يتزعم جبهة المعارضة السورية «الخارجية». وإثر جنوح البيانوني للمصالحة بعد أن جنح إليها نظام الرئيس بشار الأسد الذي اتخذ سلسلة من الخطوات المتلاحقة على هذا الصعيد تأتي في مقدمتها مفاوضات اسطنبول غير المباشرة مع الإسرائيليين، كان من المتوقع أن تلجأ هذه الجبهة إلى فصل «الإخوان» السوريين من عضويتها أو تجميدهم... لكن هذا لم يحصل حتى الآن والأسباب غير معروفة! والسؤال هنا هو: هل يا ترى ما جرى في سجن «صيدنايا» لم يكن مجرد حدث عارضٍ وعفوي، وهل هناك جهة معينة سواء من داخل النظام أو من داخل «الإخوان المسلمين» هي التي افتعلته لقطع الطريق على هذه المصالحة التي لو تمت، أو نجحت، لأضاف الرئيس بشار الأسد إلى خطوات الانفتاح الخارجي التي حققها في الفترة الأخيرة القصيرة، انفتاحاً داخلياً تأتي أهميته من أن المجتمع السوري شهد خلال العقدين الأخيرين تحولاً واسعاً ومهماً نحو التدين، وإن لم يتخذ هذا التحول طابعاً تنظيمياً بعد؟ كل شيء جائز... ولعل ما يعزز هذا الاحتمال أنه من غير الممكن أن يكون ما حدث مجرد حركة سجون عفوية ومن دون ترتيبات مسبقة، وأن يكون هذا التوقيت مجرد مصادفة لا علاقة له لا بخطوات المصالحة التي تمت مع جماعة البيانوني، التي يسود اعتقاد بأنها تشكل العمود الفقري لمعارضة الخارج السورية، بوساطة «حماس» و«إخوان الأردن»، ولا علاقة له بخطوات الانفتاح الخارجي التي أقدم عليها الرئيس بشار الأسد في الأشهر الأخيرة. غير معروف ما إذا كانت هناك معارضة منظمة وفعلية داخل سورية غير «الإخوان المسلمين»، وخصوصاً هذه المجموعة التي يقودها من بريطانيا الشيخ صدر الدين البيانوني، الذي كان يقيم في الأردن وطلبت منه السلطات الأردنية المغادرة قبل نحو ثمانية أعوام. فالمعروف أن الرئيس حافظ الأسد قد سلم نجله بشار مركباً مريحاً على الصعيد الداخلي بعد أن استخدم القبضة الحديدية ضد المعارضين حتى من داخل حزب البعث الحاكم «جماعة نور الدين الأتاسي- صلاح جديد- وجماعة القيادة القومية- العراق» وحتى من داخل الطائفة العلوية نفسها. لذلك فإن الاعتقاد حتى حدود اليقين بأن الرئيس بشار الأسد لن يجعل الأمور تمر بالنسبة لهذه الحادثة الخطيرة من دون تحقيق ومتابعة حتى التفاصيل الدقيقة. وهي حادثة يجب النظر إليها أيضاً من زاوية عملية اغتيال القائد العسكري لـ«حزب الله» عماد مغنية في منطقة كفر سوسة، التي توصف بأنها أهم منطقة أمنية ليس في دمشق فقط وإنما في سورية كلها، وأيضاً من زاوية الغارة العسكرية الإسرائيلية التي ثبت أنها استهدفت منشأة حيوية في دير الزور في شرقي البلاد.* كاتب وسياسي أردني