إن الإعلان صناعة تهم الجميع وليس العاملين في مجال التسويق فحسب. فمن المعروف أن الإعلانات تنفق على القسم الأعظم من المحتوى الإعلامي الذي يطلع عليه الكثيرون منا (بما في ذلك هذه الصحيفة). ولكنه أيضاً يخبرنا عن منتجات جديدة ويحث الشركات على تحسين منتجاتها وخدماتها. وبطبيعة الحال هناك إعلان جيد وآخر سيئ (وهناك منتج جيد وآخر سيئ).
من حسن الحظ أن الإعلان سيتغير على نحو يبرز الجيد ويحد من انتشار السيئ- وذلك لأن المعلنين سيحتاجون على نحو متزايد إلى المساعدة من جانب المستهلكين لنشر إعلاناتهم، ولا شك أن المستهلكين لن يدعموا منتجات سيئة. (قد تكون هذه صورة مثالية بعض الشيء لصناعة الإعلان، ولكنها لا تخلو من بعض الصدق).في بعض الأحيان أجد صعوبة في شرح ما أعني حين أقول إن الإعلان لابد أن يتغير. إن الإعلان لابد أن ينتقل من بث «رسائل» إلى مستهلكين سلبيين إلى رعاية المنتجات وتوظيفها وإجراء المحادثات مع المستهلكين النشطين (الإيجابيين). وهذا يعني أن مهارات الإعلان التقليدية ستتراجع لتفسح المجال أمام مهارات العلاقات العامة.كثيراً ما ينظر إليّ المعلنون بوجوه خالية من التعبير حين أحاول أن أشرح هذا.لذا فإنني ألجأ عادة إلى استخدام الاستعارات والمجاز: «تخيل أنك تبيع أحذية رياضية (هل أنتم منصتون يا أهل شركة «نايكي»؟). لن تقحم نفسك على أناس يتناولون العشاء في مطعم، ولكنك قد تظهر في مباراة بيسبول، وتوزع أحذية رياضية مجانية على أكثر الأطفال وسامة وتنخرط في الجو الاحتفالي. أو فلنفكر في كل المسوقين الذين تتمتع ماركاتهم بالشعبية: إن الناس في الحقيقة يدفعون من أجل ارتداء قمصانهم التي تحمل علامتهم- خصوصاً إذا كان المسوق يرعى قضية يؤمنون بها».لديّ هنا مثال عملي. في الأسبوع الماضي التقيت سوزان زاي، والتي تخرجت حديثاً في جامعة شيكاغو في الاقتصاد. كان والداها، وهما مهاجران صينيان، من العاملين بمهنة الهندسة، ولقد شجعاها على الالتحاق بمهنة آمنة ذات مكانة، لذا فقد انضمت إلى هيئة العاملين ببنك استثماري في نيويورك بعد تخرجها. ولكن بعد ما يزيد على العام قليلاً، وقبل الانهيار المالي مباشرة، اتجهت نحو مسار أشد خطورة، فاشتركت مع ريتشارد تونغ في تأسيس مشروع صغير على شبكة الإنترنت.وأخيراً انتقلا من نيويورك إلى بالو ألتو بكاليفورنيا، لمحاولة تنفيذ فكرة مشروعهما الناشئ- وهو عبارة عن موقع لتبادل الصور على شبكة الإنترنت. ولكن مجرد إقحام بعض الإعلانات والروابط التابعة على صفحتهما لم يكن مرضياً لهذين الشابين اللذين يبلغان من العمر 24 عاماً، لذا فقد قررا تطبيق بعض النماذج التجارية بدلاً من الاستعانة بالابتكار الفني، وأخذا يبحثان عن سبل لإشراك بائعي الملابس في مجتمعهم.وهكذا ولِدَت شركة ويردروب (Weardrobe)، التي نستطيع أن نعتبرها خليطاً بين شركة «نيتفليكس» وعروض الأزياء وشركة «فليكر»: حيث يرفع النساء الشابات صوراً لأنفسهن وملابسهن ويحصلن على الإلهام من غيرهن فيما يتصل بأنماط ملابسهن. إنها شخصيات حقيقية ترتدي ملابس حقيقية. وأكثر المستخدمات نفوذاً يحصلن على الفرصة للاتصال المباشر بالشركات التي تبيع الماركات المعروفة، وبداية من الأسبوع المقبل سيكون بوسعهن أن يقترضن أحدث صيحات الموضة من خزانة ملابس شركة «ويردروب». ولقد أدرك بعض البائعين، مثل «أميركان أباريل»، القيمة المتمثلة في عرض ملابسهم بواسطة أشخاص عاديين، فبدؤوا في عرض منتجاتهم من خلال ربطها بصور لمستخدمي موقع «ويردروب».في خلال بضعة أسابيع يأمل زاي وتونغ في الإعلان عن تأسيس شراكة للبيع بالتجزئة. وسيتسنى لأكثر الأعضاء نشاطاً وجدارة بالثقة اقتراض وارتداء الملابس من هذه الماركة. وكلما أسرع المقترضون بإعادة الملابس المقترضة كلما كان بوسعهم الحصول على غيرها بسرعة. لا شك أن هذا من شأنه أن يضيف المزيد من التعقيدات والتحديات اللوجيستية، ولكنه من شأنه أيضاً أن يزيد من العائدات.أما بالنسبة للماركات التجارية المعروفة فهذا يشكل فرصة لوضع منتجاتها مباشرة بين أيدي المؤثرين على الموضة. كان توظيف مثل هذه المنتجات يُنظَر إليه تقليدياً باعتباره وسيلة لحمل المشاهير وعارضي وعارضات الأزياء على ارتداء الماركات المعروفة، ولكن شركة «ويردروب» تؤمن بقوة ما أطلقت عليه زاي «توظيف المنتجات الصغيرة». وهي تقول: «إن هذا الشكل من أشكال توظيف المنتجات الصغيرة يشكل خطوة نحو الأمام على طريق النجاح الذي حققته شركات مثل شركة «دوف» لتقديم الجمال الحقيقي، الأمر الذي يسمح لشركات الملابس بالوصول إلى النساء الشابات اللاتي يتبعهن عامة النساء. ولنتخيل معاً مجموعة من الفتيات العاديات اللاتي يعشقن ماركة ما إلى الحد الذي يجعلهن يرتدين منتجاتها ويعرضنها مجاناً».وبطبيعة الحال فإن عارضات الأزياء والمصممين الطامحين سينظرون إلى موقع «ويردروب» باعتباره مكاناً لابد من استكشافه (تماماً كما أصبحت مواقع مثل «ماي سبيس» و»يوتيوب» من الأماكن التي يؤمها فنانو الأداء).لا أقصد هنا التنبؤ بنجاح «ويردروب»، بل أريد أن أبرز ذلك النوع من الإبداع والتجريب الذي يجعل من كاليفورنيا مكاناً عظيماً يستحق الزيارة بعد أن أمضيت ستة أشهر في روسيا وأسبوعاً في نيويورك.إن كل مسوق لابد أن يفكر في رسالة ومنبر ملائمين لمجاله. فشركات التمويل ترعى مواقع مثل Wesabe and Mint.com، حيث يقدم المستخدمون بياناتهم المالية ويحصلون على المشورة الموجهة من جانب البائعين. وتقدم شركة RealAge الشيء نفسه لمستهلكيها. وتركز قاعدتها الإعلانية قليلاً على المكملات الغذائية، وذلك لأن شركات الأدوية مقيدة للغاية فيما يتصل بكيفية تقديم إعلاناتها.وليس بالضرورة أن تكون شبكة الإنترنت هي الوسيلة الوحيدة. فالشركات التي ترعى مخارج الطاقة في المطارات تشكل مثالاً آخر لهذا النوع من الإبداع. فهي ترعى شيئاً ذا قيمة ووثيق الصلة بقاعدتها الأساسية من المستهلكين. وشركة Meetup (وأنا عضو بمجلس إدارتها) عبارة عن شركة تسمح للمسوقين برعاية الاجتماعات التي يتم تنظيمها للجمع بين أصحاب الميول المتشابهة؛ وترعى شركة Huggies (للحفاضات) اللقاءات المنزلية وتعرض حفاضات مجانية؛ وترعى شركة «أميركان إكسبريس» اللقاءات بين أصحاب المشاريع الصغيرة، كما تساعد في تغطية تكاليف رسوم اشتراك الأعضاء.لا شك أن كل هذا ليس سهلاً وليس واضحاً. إن المعلنين يتطلعون إلى فكرة ضخمة واحدة. ولكن هذا هو بيت القصيد. فالإعلام منقسم ومتفكك، وكذلك منصات الإعلان والتسويق. يتعين على المعلنين أن يبذلوا المزيد من الجهد لشد انتباه جماهيرهم الأساسية. وما يغيب عنهم حتى الآن هو أن المستهلكين لا يريدون منح انتباههم فحسب؛ بل ويريدون شد الانتباه أيضاً. وفي هذه المجتمعات الجديدة التي ترعاها الماركات المعروفة، فسيكون بوسع المعلنين أن يشدوا انتباه أعضاء آخرين بينما يعكسون بعض المجد على الماركات المعروفة التي يرعونها.* إستير دايسون ، رئيسة شركة EDventure القابضة، وهي مستثمرة نشطة في مجموعة متنوعة من المشاريع الناشئة في أنحاء العالم مختلفة.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
الإعلان وعصره الجديد
24-04-2009