إلى الذين استكثروا على الشعب الأميركي تفوقه في الاستحقاق التاريخي وقربه من طي كتاب العنصرية، وتقبله للآخر المختلف وإيمانه بسنة التغيير في الحياة، واصطفافه مع الأمل والمستقبل ضد الخوف والماضي، ضعوا تعصبكم جانباً سواء كان دينياً أم قومياً أم عرقياً، وتخلوا عن عدائكم للنجاح.

Ad

انبرى بعضهم إلى التقليل من رمزية انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة، واختزال فوزه بأنه نتيجة للأزمة المالية وانحسار شعبية الرئيس بوش، وهي استنتاجات موضوعية، لكنها تبقى منقوصة لأنها تتجاهل الجوانب الإيجابية التي صاحبت حملة أوباما الانتخابية.

لقد أشارت استطلاعات «غالوب» قبل الانتخابات إلى أن 31 في المئة فقط من الأميركيين راضون عن أداء بوش، بالإضافة إلى اعتقاد 85 في المئة منهم أن البلد يسير في الاتجاه الخطأ، ما يجعل المزاج العام يميل إلى تغيير الحزب الذي يتولى الرئاسة، ولكن هناك مؤشرات أخرى مشابهة لا تؤدي بالضرورة إلى نفس النتيجة المنطقية، إذ كيف عزز الديمقراطيون أغلبيتهم في الكونغرس في الوقت الذي بلغ فيه الرضا عن أداء الكونغرس، الذي يسيطرون عليه منذ عامين، 18 في المئة فقط؟ بمعنى أن مؤشر الرضا لو كان كافياً لكان الكونغرس أولى بالتغيير من الرئاسة.

لقد خدمت الأزمة المالية بالفعل فرص الديمقراطيين في الانتخابات، ولكن يصور بعضهم ذلك وكأن أوباما جاء من المركز الأخير إلى المقدمة، وأن ماكين كان متصدراً إلى أن ضربت الأزمة المالية أميركا، والحقيقة أن ماكين لم يتصدر إلا في الفترة التي تلت اختيار مرشح نائب الرئيس ومؤتمر الحزب الجمهوري، وهما حدثان يؤديان دائماً إلى قفزة مؤقتة في الاستطلاعات ومن ثم تعود إلى طبيعتها، إلا أن توقيت الأزمة المالية الذي صادف قفزة ماكين أوهم لبعضهم بأنه كان ضامناً الفوز وجاءت الأزمة لتمحو فرصه.

لقد استفاد أوباما من الظروف السلبية ومن أخطاء ماكين، وذلك أمر مشروع في الانتخابات، ولكن يجب عدم إغفال أنه قاد حملة تاريخية تكاد تخلو من الأخطاء استطاعت أن تقهر أقوى ماكينتين انتخابيتين: كلينتون والجمهوريين، كما أن التبرعات القياسية التي جمعها أوباما، والتي بلغت 640 مليون دولار (بوش وكيري في 2004 جمعا 700 مليون مجتمعين) جاء نصفها كتبرعات تقل عن 200 دولار من أفراد عاديين تدفقت منذ فبراير 2007، أي قبل أن تسوء استطلاعات الرضا عن أداء بوش، وقبل الأزمة المالية، تلك التبرعات الهائلة هي مقياس أصدق لتبني الشعب الأميركي هذا «الفتى الأسود النحيف ذي الاسم الغريب» ليقودهم، متسامين فوق الجراح التاريخية التي خلفتها العنصرية.

إذن، إلى الذين استكثروا على الشعب الأميركي تفوقه في الاستحقاق التاريخي وقربه من طي كتاب العنصرية، وتقبله للآخر المختلف وإيمانه بسنة التغيير في الحياة، واصطفافه مع الأمل والمستقبل ضد الخوف والماضي، ضعوا تعصبكم جانباً سواء كان دينياً أم قومياً أم عرقياً، وتخلوا عن عدائكم للنجاح والإيجابية لوهلة، وباركوا للإنسانية عبورها مرحلة تاريخية مهمة، واستثمروا ما حدث في أميركا لترسيخ مفاهيم الإيجابية والتسامي والتسامح وتداول السلطة لديكم.

Dessert

فلنفترض جدلاً أن انتخاب أوباما لم يكن ممكناً ما لم تتوافر الظروف السلبية والأزمة المالية، إذن يحسب للشعب الأميركي ترجمة تلك الظروف إلى تغيير سياسي وقبول لمرشح ذي خلفية عرقية مختلفة، بعكس انتخاباتنا الأخيرة عندما كثر المتذمرون من التأزيم وتعطلت التنمية، ومع ذلك انتخبوا نفس نواب التأزيم والتعصب القبلي والطائفي كالذين أوقفوا البلد لإبعاد وافد لأنه لا ينتمي إلى ملّتهم.