ماذا يجري في البورصة؟!

نشر في 23-09-2008
آخر تحديث 23-09-2008 | 00:00
 د. حسن عبدالله جوهر المفارقة العجيبة أن كبريات الشركات المهمة، خصوصا البنوك والمؤسسات الائتمانية والعقارية التي تشكل عصب القطاع الخاص والعمود الفقري للبورصة، لم تتأثر بالسقوط المدوي للسوق في الأسبوعين الماضيين ولا حتى في الانهيارات السابقة، فأين الخلل إذن؟!

خسائر سوق الكويت للأوراق المالية تجاوزت سقف الـ12 مليار دينار خلال أسبوع من الزمن! فهل مثل هذه المعلومة صحيحة ودقيقة؟ وهل هذه الخسارة تمثل قيمة نقدية حقيقية أم أن الأرقام التي تعلنها البورصة وهمية أم أنها دفترية ومجازية؟

هذا الرقم بالتأكيد مخيف وبحاجة إلى وقفة تقييمية جادة لسبب وجيه وهو أن ما أعلنته البورصة كخسائر مالية في غضون أيام قليلة تساوي إجمالي الميزانية العامة لدولة الكويت للسنة المالية 2008/2009 إذا ما استقطعنا قيمة مديونية الحكومة لمؤسسة التأمينات الاجتماعية وهي خمسة مليارات دينار.

إن عالم المال والأعمال بحد ذاته له خصوصيته وفنونه وقواعده في اللعب والمضاربة، ويفترض أن يقوم على أسس اقتصادية ومالية مرتبطة به كما يفترض أن تتحكم بمؤشرات السوق اتجاهات تجارية صرفة مثل الأداء العام والأرباح التشغيلية للشركات المدرجة في البورصة، وقمة التناقض هنا أن غالبية الشركات العامة والمقفلة قد أعلنت قبل فترة قصيرة فقط ميزانياتها الفصلية وبمؤشرات عالية جداً من حيث الإعلان عن الأرباح الكبيرة أو زيادة رأس المال أو تقديم أسهم منحة لمساهميها، وهذه دلالات يجب أن تصب في مصلحة استقرار السوق وتوازنه إن لم نقل استمرار تصاعد مؤشراته حتى صدور الموازنات الجديدة على أقل التقديرات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن البورصة، خصوصا في الكويت، لا ترتبط ارتباطاً عضوياً بالقطاع العام وأدائه، وعلى الرغم من تردي مستوى الخدمات العامة التي هي من مصلحة القطاع الخاص ولاسيما في التعليم والصحة والاتصالات، فإن الشركات الخاصة لا تتحمل أي التزامات أو مسؤوليات رئيسية تجاه الدولة، فهي لا تدفع أي ضرائب ولا تقوم بتعيين الكويتيين في وظائفها العامة، وفي المقابل فإن مشاريع الدولة في أبواب الميزانية الأربعة المختلفة باستثناء بند الرواتب والأجور تذهب مخصصاتها المالية لشركات القطاع الخاص، ومثل هذه المبالغ تصل إلى نصف الموازنة أي ما يقارب الـ 6 مليارات دينار في هذا العام فقط.

والمفارقة العجيبة الأخرى أن كبريات الشركات المهمة، خصوصا البنوك والمؤسسات الائتمانية والعقارية التي تشكل عصب القطاع الخاص والعمود الفقري للبورصة، لم تتأثر بالسقوط المدوي للسوق في الأسبوعين الماضيين ولا حتى في الانهيارات السابقة، فأين الخلل إذن؟!

في رأيي هناك مجموعة من العوامل تعود علتها إلى الفلتان القانوني والفراغ التنظيمي هي سبب البلاء كله في البورصة، بل وفي البلد ككل، الأمر الذي مكن تحويل السوق إلى ساحة للصراع السياسي ومساعي بعض «هواميره» إلى طبخ التشريعات والقرارات العامة تبعاً لمنافعهم ونفوذهم الضيق، ولهذا نجد الصراع الدائر حالياً على قانون هيئة أسواق المال والذي طرح له حتى الآن أربعة اقتراحات بقوانين تصطدم بعضها بعضا في الكثير من التناقضات والاختلافات الجوهرية، والأنكى من ذلك أن تتبنى الحكومة لوحدها مشروعين بقانونين متعارضين بشكل قوي وتضع نفسها في مأزق تشريعي وحيرة سياسية لترضية أطراف هذا الصراع، والنتيجة تأخر قانون تنظيم السوق لأكثر من خمس سنوات الآن، وتسبب هذا بدوره في هلامية الوضع القانوني والتنظيمي في البورصة من جهة، وتعميق جراحات السوق من خلال الصراع التجاري بين الأقطاب السياسية الذي وصل إلى مرحلة كسر العظم، من جهة أخرى.

وبسبب هذا الفلتان والغياب التنظيمي أيضاً تحولت الكثير من الشركات إلى مؤسسات عملاقة كرتونياً وزاد رأسمالها من بضعة آلاف إلى ملايين عدة، وأصبح نظام الإدراج خاضعاً للمحسوبية والنفوذ، والمحصلة النهائية هي امتصاص صغار المستثمرين في السوق من فترة لأخرى وتبعاً لجدول زمني منظم حوالي كل سنتين، حيث يتم شراء أسهم البسطاء من الناس بأسعار زهيدة بعدها يعود السوق للارتفاع عندما تقع ملايين هذه الأسهم بيد الكبار!

ولهذا يجب التنبيه بأن أي قانون جديد للبورصة لابد أن يحافظ على مهنية السوق ويخضع للمعايير العالمية في نظام تشغيله وحفظ حقوق المساهمين فيه صغاراً وكباراً، وهذه مسؤولية الحكومة ووزير التجارة تحديداً ونتمنى أن يكونوا على مستوى هذا التحدي الكبير القادم!

back to top