Ad

تنقسم السينما المقترنة بالرعب، سواء في السينما المحلية أو في العالم، إلى قسمين لا ثالث لهما، الأول: السينما الفنية التي تعبّر عن رؤية للحياة وتوظّف الرعب وتعرض له في إطار تلك الرؤية، والثاني: السينما التجارية التي يعد الرعب لديها إحدى نوعيات السينما التقليدية الاستهلاكية، والقسم الأخير هو الغالب سواء لدينا أو في العالم.

اشتهرت في سينما الغرب وهوليوود على التحديد نماذج وأسماء وأبطال و{تيمات» في ما بات يطلق عليها تجارياً نوعية «سينما الرعب»، وهي تخاطب، على غرار النوعيات التجارية الأخرى، غرائز أو نزعات بدائية في الإنسان، فهذا نوع بوليسي، وآخر أكشن، وذاك من أفلام الإغراء والجنس...

ما هو دور الرعب في السينما لدينا، وإلى أي مدى يرصد أحوال المجتمع؟ هذا السؤال وغيره نجيب عنه في سياق التحقيق التالي.

في عام 1981 قدم المخرج المتميز الراحل محمد شبل فيلماً مهماً هو باكورة أعماله، بعنوان «أنياب»، بطولة علي الحجار ومنى جبر والمغني أحمد عدوية، وظهر المخرج حسن الإمام مؤدياً لأحد الأدوار.

عرض شبل نموذجاً للفيلم الذي يتناول الرعب، لكن من منطلقات الفن ورؤية للحياة، وليس بدوافع التجارة ونظرتها إلى الشباك، حورب رقابياً، وسُحب سريعاً وقسراً من دور العرض، مع أنه كان يعبر عن رؤية فكرية تفضح مدى الاستغلال الذي شمل جوانب المجتمع، من أبسط المجالات كبعض الحرفيين وسائق تاكسي إلى قصر الحاكم.

أدى ممثل واحد، أحمد عدوية، كل الشخصيات التي تمارس الاستغلال والجشع وترتكب صنوف المظالم بلا ضمير أو وازع من أي نوع، وكشفت كل شخصية عن أنيابها في لحظة ما، فإذا بها أنياب دراكولا مصاص الدماء.

تصل الذروة في الفيلم لدى تصوير حاكم البلاد أنه مصاص دماء ودراكولا بدوره، ما أقلق السلطات، فتعرض لهجوم عنيف. تأثر شبل، إذ كان مخرجاً شاباً طموحاً، سواء على المستوى الفكري أو الجمالي، وظّف في «أنياب» أساليب وتقنيات، لتجسيد رؤيته، لذا استحق أن يعد أحد أهم التجارب السينمائية سواء في مجال الأفلام الجادة الفنية عموماً أو في اتجاه التعبير عن رؤية عبر تيمات الرعب خصوصاً.

تذكرنا تلك التجربة بالفيلم الأميركي «قتلة مصاصي الدماء البواسل» (أو... عفواً أنيابك في عنقي) في أوائل السبعينات للمخرج العالمي الكبير البولندي الأصل «رومان بولانسكي»، إذ عبر عن رؤية للعالم والحياة واتجاه منابع وقوى الشر لمزيد من إحكام القبضة على المجريات والمقدرات، من خلال الرعب ونموذج دراكولا مصاص الدماء.

لكن مثل هذه الأفلام المتألقة فنياً وفكرياً (سواء المصرية أو الأجنبية) هو استثناءات على القاعدة، يغلب على الدوام الأفلام التجارية سواء الرخيصة المتهافتة، أو المتماسكة ومحكمة الصنع.

في مصر، لم تخل اجتهادات المخرج الكبير كمال الشيخ من «تضمين» جوانب أو لحظات رعب في إطار سينما التشويق التي عرف بها، حتى لقّب بـ «هتشكوك السينما المصرية» ومن أفلامه: «الليلة الأخيرة» بطولة فاتن حمامة ومحمود مرسي وأحمد مظهر، حيث أحكم الزوج الخيوط لتعيش زوجته في رعب دائم بعدما استعادت الذاكرة، ما هدد الحياة الزوجية التي أقامها على الخداع، ليصل بها إلى الجنون ويحاول أكثر من مرة التخلص منها بالقتل.

في الفترة الأخيرة، شاهدنا أفلام «أحلام حقيقية» (2007)، «نقطة رجوع» و»كامب» (2008)، واللافت أن السينما المصرية أدخلت مراراً «مسحة» من الرعب حتى في الأفلام الكوميدية مثل فيلمي اسماعيل ياسين: في متحف الشمع وإسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة. أدخلت هذه السينما أخيراً «لمسة» من الرعب حتى في فيلم رومانسي موضوعه هو بحث بطله المثابر والجميل عن الحب الحقيقي، ونقصد «في شقة مصر الجديدة» للمخرج الكبير محمد خان.

إذا كانت الغاية في هذا الفيلم وغيره من أفلام قليلة جداً هي أن يغتني بمزيد من الأبعاد أو «اللمسات» الموحية والدالة، فإن الكثرة الغالبة من الأفلام سواء في العالم أو لدينا، التي تدخل في خانة سينما الرعب، تهدف إلى الربح، على الرغم من سطحيتها وفقرها الدرامي، سواء بتقنيات تقليدية وبالية، أو حديثة بالغة التطور، قادرة على لفت الأنظار وأحياناً الإبهار، لكنه إبهار سرعان ما ينقشع لأنه يقوم على أساس الزيف.