ميتافيزيقيا المكان
![محمد الحجيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1481796129992608200/1481796130000/1280x960.jpg)
سوزان عليوان شاعرة بعيدة عن الأضواء بعكس معظم الشعراء الذين يجعلون من مجرد ديوان لهم «جواز سفر» في المدينة والمحافل والمناسبات.تبدو عليوان ابنة المدينة (بيروت) منهمكة بشغلها، لا تضع الشعر في الواجهة، تكتب الشعر من أجل الشعر، ترسم في ديوانها الجديد خريطة لامرئية لشارع صلاح سالم الشهير في القاهرة، هذه المدينة التي عاشت في كنفها عشر سنوات، وتعتبرها من أجمل المدن، لم تشعر بالغربة فيها، بل كانت جزءا من نسيج حكايتها والتقت الكثير من شعرائها الجدد. عادة نقرأ أن أقطاب الرواية يكتبون عن الحيّز الجغرافي، خصوصًا الحارات في روايات نجيب محفوظ، لكن الشعراء غالبا ما يترفعون عن الأمكنة والجغرافيا ويختارون عناوين «الفضائية» او «الميتافزيقية» في أعمالهم، ربما ما نلاحظه في دواوين بعض الشعراء الجدد ومنهم عليوان اختيار الحيز في المدينة، والكتابة عن نبضه ومعانيه ومعالمه وشرطته ولافتاته وغسله. مع أنها لم تكن من سكان شارع صلاح سالم، لكنه يعني لها الكثير في لاوعيها، تبحث عن علامات شارع كان بالنسبة اليها بوابة الدخول الى القاهرة و»عتبة الفراق» عنها، تسير فيه السيارات مثل نهر، تقول في الديوان:«ليسَ الأسَىالنافذةُ جُرْحُ جدارٍ البابُ مرآةٌ مُغْلَقَةتعلمينَفي العَثْرَةِ حجرٌ يُرْشِدُناعلى جانبي الأيسرحافَّةُ السريرِ والعالمالحائطُ وجهٌ قريبٌأقسو كي لا يكسرَني حناني».غادرت عليوان القاهرة عام 2000، لكنها لم تكتب عن تلك المدينة الا بعد سنوات، كأن الكتابة بالنسبة اليها هي محاولة مقاومة للنسيان، او عودة جديدة إلى المكان في اللاوعي، او نوستالجيا الى المكان الذي ما زالت تحبه وتشتاق الى زيارته، وهي التي عاشت طوال فترة التسعينات في تلك المدينة، وسبق لها أن كتبت عن بيروت ولندن في كتابها «كراكيب الكلام»، وثمة من قارن بين كتابها وكتاب «حزن في ضوء القمر» للشاعر السوري الراحل محمد الماغوط.عنونت عليوان كتابها على هذا النحو لأنها كانت برفقة صديقاتها في سيارة، وكلما قطعن شارعًا كن يكتشفن أنهن ما زلن في شارع صلاح سالم، إزاء هذا قالت: «كل الطرق تؤدي الى صلاح سالم» وأصبح عنوان كتابها، رسمت غلافه بيدها واعتادت الرسم من موقع الهواية، وهو قصيدة واحدة بمقاطع كثيرة.