شهدت الجلسة الأولى للبرلمان مطلع الأسبوع الجاري، مواقف عدة تستحق النظر فيها وتحليلها، للوصول إلى قناعة تلخص المشهد السياسي، ومعرفة أننا أمام كويت جديدة سياسياً.

Ad

في البداية، يجب الوقوف على حقيقة مفادها أن 52 نائباً ووزيراً من أصل 65، اختاروا النائب جاسم الخرافي، رئيساً للبرلمان، رغم أن بينهم مَن طالب برئيس توافقي، ومَن تعرض للخرافي في حملته الانتخابية، مشدداً على أنه لن يختاره رئيساً، لكن حصر أسماء مناصري منافسه الرومي الأحد عشر، كشفت أننا نعيش في واقع سياسي جديد، يقوم على التناقض بين علنية التصريح وسرية التصويت.

الملاحظة الثانية، كانت مطالبة الأطراف جميعها؛ سمو الأمير، ورئيس السن، والنواب، وأعضاء الحكومة، والشارع، بضرورة تقديم خطة تنموية، تلبي طموحات المواطن، وهذه بيد الحكومة الآن، فهي وحدها تتحمل مسؤولية تقديمها وتنفيذها، خصوصاً أن النواب لم يجمعوا على قضية خلال حملاتهم الانتخابية، أكثر من ضرورة تقديم الحكومة خطة تنموية وتنفيذها.

الأمر الثالث، كان تراجع التيار الديني أمام تمدد التيار المستقل، وهذا قاد إلى إقصاء النواب الدينيين عن منصب نائب الرئيس، واللجان التي شهدت انتخابات لاختيار أعضائها، ما يعني أن أكبر قوة بالبرلمان هي للتيار المستقل، عكس ما تبينه الأرقام من سيطرة دينية على المجلس، شريطة تنسيق الجهود. ولم تخلُ الجلسة الأولى من مفاجآت، إذ كان هناك ميل من قبل ثلاثة أعضاء على الأقل، ربما يكونون نواباً أو وزراء، للامتناع عن التصويت، وهذا الموقف، وإن كان مقصوراً في انتخابات الرئاسة 1996 على صوت واحد سلم ورقة بيضاء، إلا أنه الآن شهد امتناع اثنين عن التصويت للرئاسة، وثلاثة أو أكثر في انتخابات المناصب وعضوية اللجان، ما يعني أننا أمام حالة جديدة من التعبير عن الرأي، ربما تكون تسجيلاً لموقف قد تكشفه الأيام المقبلة.

استكمالا لشكل التعبير عن الرأي، أود أن أشيد (رغم تحفظي) بلجوء تسعة نواب قد يشكلون نواة لكتلة «الإسلاميون الجدد» للانسحاب من جلسة تأدية اليمين الدستورية، احتجاجا على عدم ارتداء الوزيرتين نورية الصبيح وموضي الحمود للحجاب، وهذا الموقف مثلما يحسب للوزيرتين كونهما لم تزايدا بارتداء الحجاب، مراضاة للنواب المحتجين، إلا أنه كذلك يحسب للمنسحبين كونهم عبروا عن رأيهم بشكل حضاري، واتخذوا هذا الإجراء، بشكل ودي وديمقراطي، متمتعين بحقهم في التعبير الذي كفله دستور أقسموا على صونه، وما اللجوء إلى اللجنة التشريعية لتحديد مصطلح «الضوابط الشرعية» التي أضيفت على قانون الانتخاب قبل ثلاثة أعوام، إلا مكسب جديد يضاف للديمقراطية الكويتية، كونها تعالج نفسها بنفسها، وفقا للأطر الدستورية.

ويجب الانتباه إلى أن موقف «الإسلاميون الجدد» بالانسحاب كان أهدأ صخباً هذه المرة من معارضتهم لتوزير معصومة المبارك ونورية الصبيح، حينما ضربوا وقتها بأيديهم على الطاولات، لتبيان امتعاضهم من مشاركتهن في الوزارة، مع العلم بأن النواب الإسلاميين التقليديين من سلف وإخوان أكتفوا يوم الأحد الماضي، بتسجيل موقفهم عبر تقديم مقترح لتحويل موضوع الالتزام بالضوابط الشرعية إلى اللجنة التشريعية كي تبت فيه، فأيده 33 نائباً من أصل 54 شاركوا بالتصويت.

خلاصة الجلسة الأولى للبرلمان، نحن أمام قوة مستقلة جديدة، ستكون كلمتها هي الأكثر تأثيراً، ونواب إسلاميين لم يشكلوا أغلبية، رغم زيادة عددهم، وحكومة صمدت في اختبار التحدي الأول، ومجلس نوابه يصوتون عكس ما يصرحون، وجامعهم أنهم يخشون من الحل أكثر من غيرهم، حتى لو كان ذلك على حساب مبادئهم والأهم ضمائرهم.